وقعت وكالة البعثات بوزارة التعليم قبل أيام اتفاقية مع كلية الأمير محمد بن سلمان لابتعاث مجموعة من الطلاب المتميزين الحاصلين على أعلى الدرجات للدراسة في أفضل الجامعات، والحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في تخصص الأمن السيبراني، ومن ثم العودة للالتحاق بالكادر الأكاديمي في الكلية وتدريس هذا التخصص، هذه الاتفاقية وقبلها استحداث الوزارة للتخصصّات الحديثة في برنامج الابتعاث يدلان على أن هناك انسجاما أكثر ما بين التعليم ومتطلبات السوق من الكوادر البشرية، لم يكن كذلك في السابق، كانت هناك فجوة كبيرة ما بين متطلبات سوق العمل والتعليم، ولكن بدأت هذه الفجوة تضيق حتى رأينا برنامج وظيفتك بعثتك الذي يوقع مع الطالب المبتعث اتفاقية للدراسة منتهية بالتوظيف، في كثير من القطاعات المهمة مثل الصحة والاتصالات والطيران وغيرها.
الطالب المتخرج من الثانوية العامة سابقا كان لا يجد أمامه خريطة واضحة للمستقبل، لا يعلم أين يوظف مهاراته ورغباته، ويترك نفسه للقبول في أي تخصص دون رؤية واضحة، لكن الآن وفِي ظل رؤية المملكة 2030 أصبح الأمر مختلف كليا، هناك خطط مستقبلية واضحة، وهناك متطلبات لسوق العمل محتملة، والطالب ما عليه سوى أن يختار الطريق الذي يرغب أن يسلكه ويعمل به في المستقبل، لم يعد هناك أوضح من ذلك، ومن الخطأ الكبير أن نجد بعض الطلاب ليس لديهم اطلاع على رؤية 2030 ومستقبل وخطط كافة القطاعات الحكومية والخاصة، ومعرفة تامة بالوظائف التي سيزيد الطلب عليها أو المستحدثة، والتخصصات التي تسعى وزارة التعليم لدعمها لتأهيل الكوادر التي تساهم في تحقيق الرؤية فور تخرجها.
مع رؤية 2030 أصبحت هناك وظائف مستقبلية محتملة: القانون المتخصص: مثل قانون الطيران التجاري، قانون الحوكمة، قانون التجارة الدولية، وتخصص تحليل البيانات، أذكر عندما كنت أعمل في شركة الكهرباء كنّا بحاجة ماسة لمحلل بيانات سعودي وأعلنا أكثر من مرة عن وظيفة محلل بيانات بشرط أن يكون سعودي الجنسية متخصصا في هذا المجال، ولَم يتقدم سوى شخص واحد تخصصه الدراسي جيولوجيا، وفِي المقابلة الشخصية فاجأنا بأنه مرتبط بعمل في مكان آخر ولن يترك عمله، ولا يستطيع التفرغ للعمل، ورغم ذلك وظفناه براتب 8000 ريال على أن يعمل من الساعة 4 العصر حتى الساعة 8 م، ولكنه كان محلل بيانات محترفا، تدهشنا أعماله، وأعتقد لو تفرغ وتخصص في هذا المجال فسيحصل على رواتب ومميزات وظيفية أفضل بكثير، وهناك أيضا تخصص الأمن السيبراني، والمحاسبة، والتأمين، الموارد البشرية. والطاقة البديلة، والذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية، وغيرها الكثير من التخصصات التي يجب على طلاب الجيل الحالي الاستفادة منها وفق رغباتهم، وكلما كانت خطواتهم واثقة وتعرف أين تضع قدميها كلما أفسحت لهم الطرق نحو المستقبل الذي يحلمون به.
يقول علي النعيمي رئيس شركة أرامكو ووزير النفط السابق في كتابه (من البادية إلى عالم النفط) إنه عندما كان موظفا صغيرا كان مديره الأميركي (هال ستريكر) يرى أن السعوديين ليس لديهم القدرات للعمل في الوظائف القيادية داخل الشركة، ولكنه كان يرى أن علي مجتهد وقد تكون لديه مسيرة مهنية ليصبح مديرا لأحد الأقسام بعد 15، عاما معتقدا أنه يثني عليه، وأنه سيسعد بهذا التوقع المستقبلي، ولكن بعد 15 عاما أصبح علي النعيمي رئيسا لشركة أرامكو، واستدعى مديره الأميركي السابق لمكتبه وقال له: «ها قد مضى خمسة عشر عاما، فما رأيك بمسيرتي المهنية؟» عندها ضحكا وعاد كل منهما إلى عمله. لم يحقق على النعيمي ذلك إلا لأنه آمن منذ البداية بأن تخصص الجيولوجيا هو مفتاحه ليصبح رئيسا للشركة، وتخصص به رغم كل الطرق والإغراءات لأن يتخصص في مجالات أخرى، ولكنه كان يعرف أين يضع قدميه وإلى أين يذهب.