منذ 4 سنوات، وقبل بداية عاصفة الحزم، وحرب قوات التحالف العربية على الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران على الأراضي اليمنية، لم أزر منطقة جازان، حيث مسقط رأسي، لظروف عدة، منها الابتعاث الدراسي في الخارج، ولقائي بعائلتي وأقاربي في أماكن أخرى بعيدة.

هذا العام، قررت أن أزور جدي في قريتنا الصغيرة، أقصى الجنوب، كنت أعتقد قبل الوصول أن أشاهد مدينة كبّلتها الحرب، وأثّرت فيها قذائف العدو، وأغلقت متاجرها، ومدارسها، وتغيرت شوارعها، فوجدتها تستقبلني بالفل والكادي، واقتصادها ينتعش بزحمة المتسوقين في موسم الصيف، وشوارعها شامخة واسعة ومزدهرة بمشاريع التنمية، ومطارها يستقبل الرحلات الداخلية والدولية دون توقف، ووجدت من بين عمالتها شبابا من الجنسية اليمنية، يسهمون في العمل بكل المجالات، بعد أن منحتهم السعودية حق الإقامة والعمل.

أن تكون مطمئنا وآمنا في مدينة مجاورة للحرب، فهذا لا يحدث كثيرا، أجزم أنه نادرا ما يتكرر، ولا يحدث سوى في البلاد التي تملك جيشا عظيما، يفديها أفرادها بأرواحهم ودمائهم وأجسادهم، لينعم كل من خلفهم بالأمن، وكأنه لا شيء يحدث.

التقيت أحد رجال الجيش السعودي، من الذين يجاهدون فداء للدين والوطن في الصفوف الأمامية، وجدته مبتسما بوقار، وعندما سألته عن طبيعة عمله، أخبرني أنه في الصف الأمامي، يتناوب هو وزملاؤه على صد كل محاولات تسلل ميليشيات الحوثي، يقف ساعات طويلة خلف سلاحه وأدوات حربه، ويقنص كل عدو يراه يحاول الاقتراب من الأراضي السعودية الشامخة، التي تأبى أن يدنسها الفرس رغم كل محاولاتهم بكل الطرق، ولكنهم لا يجدون سوى الهزائم والخسارات التي توالت عليهم في عهد الملك سلمان، حتى ضاق الخناق على العاصمة طهران كلما نجحت سياسة السعودية في تدمير عصاباتها وميليشياتها في اليمن والعراق ولبنان، وبينما تمد إيران الحوثيين بالأسلحة لتدمير وحدة اليمن، نجد السعودية تمدهم بالعون ومحاربة من يحاول استباحة بلدهم، ومداواة جرحاهم ومرضاهم ومدهم بالغذاء والكساء، ودعم الرجال الذين يذودون عن أطفالهم ونسائهم وكأنهم يذودون عن وطنهم الكبير، الذي لا يختلف الأمن في حده الجنوبي عن عاصمته الرياض، فالحياة هنا في جازان مثلها مثل المدن البعيدة عن الحرب في شمالها وشرقها وغربها. التنمية مستمرة، والمشاريع بمختلف مجالاتها تعمل بخطط مستقبلية طموحة، وأصبحت البنية التحتية بها أفضل بكثير منذ آخر مرة زرتها، شوارعها ومبانيها، وأسواقها ومقاهيها أصبحت أجمل، وجدي في مزرعته يستقبلني بتلك الطريقة التي كان يستقبلني بها عندما كنت طفلا، عاجلت خطاي نحوه وعانقته ووجدته آمنا مستقرا، ولا يعرف شيئا عن الحرب المجاورة لقريتنا، سوى بعض الأنباء الموجزة من تلفازه الصغير الذي يتابع خلاله القنوات الإخبارية وقت الظهيرة.