لا تقوم أي قصة درامية إلا على أحداث، والأحداث بدورها لا تجري إلا على شخصيات، وكلا الأحداث والشخصيات لا بد لها من بيئة تعيش في كنفها وتسري بين أرجائها، لذلك قرر العاملون على مسلسل العاصوف على جعل مدينة الرياض فترة السبعينات من القرن الماضي هي البطانة الاجتماعية لهذا المسلسل الدرامي.

فكل قصة لا بد أن تقع في مكان وزمان معينين، ويجب أن تتفاعل الشخصيات وترتبط الأحداث بظروف وعادات ومبادئ خاصة بالزمان والمكان اللذين وقعت فيهما، والارتباط بذلك يعد ضروريا لحيوية القصة، ويجعل من دراسة وفهم الأوضاع الأنثروبولوجية لذلك المجتمع أساسا يقوم عليه العمل الدرامي، لأن المسلسل تدور أحداثه في حقبة منصرمة، والإلمام بأنثروبولوجيا المجتمع الثقافية يعد متطلبا هاما، مثل معرفة العادات والتقاليد والموروثات والطقوس اليومية، فالجانب الأنثروبولوجي يمثل الخلفية الاجتماعية والثقافية لذاك المجتمع.

أعطى القائمون على العمل اهتماما زائدا بالجانب الأنثروبولوجي حتى صار طاغيا على الأحداث والشخصيات بل إنه طغى على الجانب الدرامي وما ينطوي عليه من حبكة وعقدة وبناء قصصي، فانقلب العمل كله في خدمة الجانب الأنثروبولوجي ومحاولة إبرازه، فغابت جوانب عديدة من الدراما وأصبح المسلسل وكأنه عمل وثائقي يصور حياة أهل الرياض في حقبة السبعينات.

فكل الأحداث تجري في طريق واحد، فالعلاقة العاطفية في المسلسل المنتهية بالزواج لا تخدم مجريات الأحداث ولا تحل أي عقدة ولا تصب في مصلحة البناء الدرامي، وكأن الغرض الوحيد من هذه العلاقة العاطفية هو تصوير طقوس الزواج ومظاهر الفرح وما يتخللها من أغان وقصائد شعبية وأدوات طربية.

كل بناء درامي لا بد أن يحمل في طياته بطريقة أو بأخرى وحدة أولية ضرورية للدراما، فالحبكة ليست مجرد سلسلة متابعة لأحداث مادية ملموسة، بل هناك دلالات روحية ونفسية وفكرية كامنة وراء هذه الأحداث، وتتفاعل الشخصيات مع الأحداث لصناعة الحبكة الدرامية ومساهمة في التوتر المتصاعد الذي يعد أحد العناصر الأساسية في الدراما، ولكن أين هو التوتر المتصاعد للأحداث في مسلسل العاصوف؟

المسلسل يجري بوتيرة واحدة، فالزواج في الحلقات الأولى لا يختلف عن الزواج في الحلقات الأخيرة، جلسات اللهو والطرب التي يذهب لها خالد وحمود هي نفسها جلسات الشيشة في المقهى وكلها لا تصب في مصلحة التوتر المتصاعد للأحداث، بقدر ما تخدم الجانب الأنثروبولوجي المهتم بنقل طقوس الطرب والفن والرقص في تلك الحقبة.

بدون الحبكة لا يمكن إدارة الصراع بين الشخصيات لأن كل المواقف والأحداث ستتناثر وبالتالي ستفقد معناها ووظيفتها، والحبكة الدرامية في العاصوف تكاد تكون غائبة، وكأن القائمون على العمل لا يولون أدنى اهتمام للجانب الدرامي للمسلسل.

فقد البناء الفني للمسلسل أهم عنصر من عناصر الدراما وهو عنصر التشويق، لأن المسلسل بدونه يصبح أشبه ما يكون بالفيلم الوثائقي، فالعمل الدرامي يعتمد اعتمادا كليا على عنصر التشويق الذي يشد المتابع إلى المسلسل، والتوتر المتصاعد للأحداث يشد الانتباه إلى ما ستنتهي إليه الأحداث، وما يمكن أن يترتب من حل أو انفراج للصراع الدائر بين الشخصيات في حيز الزمان والمكان، الذي تعقبه نهاية القصة ووضع حد فاصل لمجريات الأحداث التي تصحبها إزالة التوتر والوصول لمرحلة التوازن.

صاحبت المسلسل زوبعة من الآراء المتباينة، وكلها تدور حول الجانب الأنثروبولوجي في المسلسل، في حين كان التعاطف الوجداني مع شخصيات العمل مفقودا، إما لسطحية الشخصيات وخلوها من أي مشاعر مكبوتة أو عمق وغموض نفسي، وإما لأن الشخصيات تم تكريسها في خدمة الجانب الأنثروبولوجي وجعلها مجرد أدوات مساعدة وثانوية لتحقيق الغرض الأهم لدى القائمين على العمل، وهو توثيق الحقبة السبعينية على حساب الدراما والحبكة القصصية.