عندما نتحدث عن تاريخ الابتعاث السعودي في الصين فإنه لا بد أن نذكر هذا الموقف الذي حدث في عام 2006 أثناء زيارة رسمية للملك عبدالله - رحمه الله- لبكين عندما طلب لقاء أبنائه المبتعثين في الصين، كما يفعلها عندما يزور الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا وغيرها من الدول، وحين أخبره وزير التعليم العالي - في ذلك الوقت - بأنه لا توجد بعثات تعليمية للسعودية في الصين رغم علاقاتنا الاقتصادية والسياسية المتينة معها وجه - رحمه الله- وزارة التعليم بفتح ملحقية ثقافية في بكين، وتشجيع الابتعاث للصين حتى وصل عدد الطلاب المبتعثين في الصين خلال فترة قصيرة إلى عدد لا بأس به، يدرسون في جامعات الصين في كافة التخصصات باللغة الصينية، ويتحدثون بها كما يتحدث بها المواطن الصيني، بل قابلت بعض الطلاب السعوديين ممن يتقن التحدث باللهجات الصينية العامية، وتخرج منهم العديد من الكوادر المؤهلة، خاصة في مجال الهندسة، ويعمل أغلبهم في المشاريع السعودية الصينية المشتركة.
التقيت بأحد الطلاب الخريجين من الصين وهو أحد أبناء قريتي في جازان، ويعمل حاليا في أحد أهم المشاريع السعودية الصينية في السعودية، تحت إشراف شركة أرامكو، يقول: بعد تخرجي من الثانوية العامة، تقدمت بطلب الحصول على منحة تعليمية من برنامج خادم الحرمين الشريفين، وتم قبولي لدراسة الهندسة في الصين، وبعد إنهاء كافة الإجراءات الروتينية مثل الكشف الطبي وتدقيق الشهادات وغيرها تم التنسيق بينه بين مجموعة من الطلاب السعوديين المقبولين في البعثة للقاء في مطار الملك خالد الدولي، وخرجت أول دفعة في طائرة واحدة إلى مطار شانغهاي الدولي، وكان في استقبالهم الملحق الثقافي السعودي في باكستان قبل أن يتم تأسيس الملحقية الثقافية في الصين، وهم في الحافلة متوجهين من مطار شنغهاي الدولي إلى سكن الطلاب في الجامعة التي قبلتهم لإدخالهم في دورة مكثفة لتعليم اللغة الصينية، ألقى عليهم الملحق الثقافي كلمة ترحيبية، وأخبرهم عن طريقة التواصل مع الملحقية الثقافية في باكستان، وعرفهم بمشرفهم الدراسي، وطلب منهم أن يختار كل واحد منهم زميلا له ليكون شريكه في سكن الطلاب.
ومن هناك أعتقد أنها كانت أول دفعة طلاب رسمية تصل إلى الصين، ومن تلك الرحلة كانت أول مسيرة رسمية للابتعاث في الصين، لم يمض وقت طويل من تاريخ وصول هذه الدفعة حتى تم افتتاح الملحقية الثقافية في الصين، ومن ثم توافد المئات من الطلاب السعوديين إلى الصين، حتى أصبحت الملحقية الثقافية في الصين تحوي العديد من المشرفين الدراسيين يشرفون عليهم وعلى دراستهم، وحقوقهم المالية مثل المكافآت الشهرية والرسوم الدراسية والعلاج وتذاكر السفر، ومتابعة تقاريرهم الدراسية وأمورهم التعليمية، واليوم السبت ستحتفي الملحقية الثقافية في بكين بالطلاب والطالبات الخريجين لهذا العام الدراسي 2017-2018، ليس فقط بالطلاب الخريجين بل طلاب في مجال العمل التطوعي وتأليف كتب علمية وناشري بحوث وأحد المخترعين، ومنصات لشركات صينية كبرى تستقطب الخريجين، وتمنحهم عروضا وظيفية وتدريبية، اليوم ستكون بكين عاصمة للفرح والشعور بالإنجاز والامتنان والفخر، وجني ثمار جهود سنين طويلة من الكفاح، وستكون ليلة تاريخية في مسيرة الابتعاث السعودي للصين، وأبارك فيها للدكتور فهد الشريف الملحق الثقافي ولجميع الطلاب المكرمين في الحفل والطلاب المتفوقين والطلاب المخترعين وناشري البحوث والمتطوعين.