نشرت «العربية» بتاريخ 19 فبراير من العام الحالي على موقعها خبرا منقولا من صحيفة «أستراليان فايننشال ريفيو»، ذكرت فيه أن على جدول أعمال المحادثات بين ترنبول رئيس وزراء أستراليا، والرئيس الأميركي دونالد ترمب، مناقشة خطة مشروع بنية تحتية مشتركا بين الولايات والمتحدة وأستراليا والهند واليابان، بديلا لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، سعيا إلى مواجهة اتساع نفوذ نطاق بكين.

رغم أن الخطة المشتركة لخلق بديل للحزام والطريق وليدة، إلا أن هناك إصرارا من الولايات المتحدة على الحد من النمو الاقتصادي للصين، والذي يعد مشروع الحزام والطريق أحد أهم ركائزها الأساسية، والذي وضعت الصين 900 مليار دولار لتنفيذه، معولة عليه بأنه طريقها لمد صادراتها كالأخطبوط العملاق على خريطة العالم بسلاسة.

النمو الاقتصادي الصيني في بداياته لم يواجه أي تهديدات من أميركا، بل كانت الحكومة الأميركية في عهود بوش الأب والابن وكيلنتون وأوباما، تتابع بصمت الهجرة الجماعية للمصانع الأميركية إلى المدن الصناعية في الصين. مصانع سيارات، وإلكترونيات، وغيرها، لم تكن هجرة للمصانع الأميركية فقط، بل حتى الشركات الألمانية والبريطانية، واليابانية، وكثير من الشركات التي تبحث عن خفض تكاليف الإنتاج.

واستيقظ التنين الصيني على إثر ذلك بهدوء، حتى أصبح تهديدا حقيقيا لأميركا التي يعرف الجميع أنها لن تتنازل عن مركزها كأكبر اقتصاد عالمي، خاصة منذ تولي دونالد ترمب كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، وهو يصر على الاستمرار في ارتداء قبعة رجل الأعمال، يتعامل مع جمهورية الصين الشعبية كما يتعامل مع منافسه القوي داخل السوق، يتابع مميزاته ونقاط قوته، ويعمل على إضعافها، ويستغل نقاط ضعفه لمصلحته، ويصر على إزاحته من أمامه، أو توسيع الفارق بينهما.

قبل أسبوعين، كتبت مقالا تحدثت فيه عن الحرب التجارية بين أميركا والصين، والتي بدأها ترمب بفرض ضرائب على الواردات الصينية، بلغت قيمتها أكثر من 60 مليار دولار، وردّت عليها الصين بفرض ضرائب فوريه على أكثر من 120 منتجا أميركيا، ولا نعلم التطورات في هذه المعركة ستذهب إلى أين؟.

الصين أسست لمشروع «الحزام والطريق» منذ عام 2013، وسعت فيها سعيا كبيرا، وقّعت اتفاقيات كبرى مع عدة دول لتشغيل هذا المشروع الضخم، وفعّلت أحد أهم مراحلها، وهو طريق لقطار بضائع ينتقل من الصين حتى بريطانيا، مرورا بروسيا وعدة دول، خلال 7 أيام، مختصرا كثيرا من الوقت على الصادرات، والذي كان يستغرقه الشحن عبر البحار والمحيطات، في خطوة أدهشت العالم، وانتشرت كثير من الأخبار حول هذا الحدث المهم، ورغم أن مشروع البنية التحتية الإقليمي المشترك بين أميركا وأستراليا، والهند واليابان، بديلا لمبادرة الحزام والطريق الصينية التي تتكلف مليارات الدولارات، سعيا إلى مواجهة اتساع نطاق نفوذ بكين، أتى متأخرا بعد بداية الصين بأكثر من 5 سنوات، ورغم أن خطة المشروع ما زالت تحت النقاش الجدي، إلا أن علاقات الولايات المتحدة الدولية القوية، تعمل لمصلحتها في إنجاح هذا المشروع.

دعم الهند واليابان يزيد أيضا من فرص نجاح هذا المشروع. الدول التي وقعت اتفاقيات مع الصين، أعتقد أنها ستختار استخدام المشروع المشترك الذي ترعاه أميركا، للمضي قدما في تطوير علاقتها بقوى كبرى تحميها وتدعمها.

لا توجد أي تفاصيل عن الطريق البديل الذي تقوم عليه هذه الدول الأربع حتى الآن، ولكن الصحيفة التي ذكرت الخبر أكدت أنها خطة جدية يحرص ترمب على تفعيلها سريعا، ضمن خططه للحد من النمو الاقتصادي الصيني.

للمرة الأولى، تواجه الصين مثل هذه التحديات أمام اقتصادها. ضرائب مرتفعة على وارداتها لأميركا، واتحاد دول كبرى مثل أميركا وأستراليا واليابان والهند لمنافستها على مشروعها الحزام والطريق الذي تعول عليه كثيرا.

وللمرة الأولى أشعر -كمتابع للنمو الاقتصادي للصين- أن الصين تقف أمام تحديات كبرى، لا مجال لخيار آخر أمامها، إما أن تتجاوزها بحكمتها المعهودة وسياستها الهادئة، وتستمر في النمو حتى تصبح الاقتصاد الأكبر في العالم، كما تتمنى ويتمنى شعبها، أو تخسر وتزداد الفجوة بينها كثاني اقتصاد عالمي وبين المركز الأول أميركا، وينجح ترمب في إيقاف ثورتها الاقتصادية، ويعيدها إلى الوضع الذي يضمن للولايات المتحدة الاستمرار للمحافظة على اقتصادها، العامل الأهم الذي يجعل إمبرياليتها على العالم مستمرة.