في عام 2009 عندما قررت أن أنتقل من نشر مقالاتي في المنتديات الثقافية والعامة إلى النشر في الصحف الرسمية، حاولت التواصل مع أهم كتاب الرأي عبر البريد الإلكتروني، لأستفيد من تجاربهم في كتابة المقالات، وكان أغلبهم لا يرد على الإيميل، والبعض يرد بإجابات مقتضبة وشحيحة، الشخص الوحيد الذي رحب بي في ذلك الوقت هو الدكتور عبدالله المغلوث، كان يرد على استفساراتي وأسئلتي بكرم وسخاء وبحرارة أشعر بها وكأني أجلس بقربه، كنت أرسل له مقالاتي قبل أن أنشرها في صفحة نقاشات في «الوطن» أو صفحة مداولات في «الشرق»، وكان ينتقدها بلطف ويخبرني عن نقاط القوة والضعف بها، والطريق لتعديلها، وكانت النصيحة التي لن أنساها هي كلمته: «تشبث بأحلامك يا فهد وسوف تحققها، ولا يهم ما هو تخصصك المهم أن تكون مميزا فيه وستفتح لك كل الآفاق»، لم تكن تلك نصيحة عابرة بل جسدها لي أيضا عبر قصته وسيرته الذاتية، كانت أمه تطمح أن يكون مهندسا، وبالفعل التحق بكلية الهندسة المعمارية تحقيقا لرغبتها، ابتهجت أمه وهي تسمع قريباتها وصديقاتها وجاراتها يلقبنها بأم المهندس، ولكن كان جسده في كلية الهندسة، وقلبه في الصحيفة التي يعشقها ويحب العمل فيها، فقرر أن يترك كلية الهندسة ويتشبث بأحلامه وشغفه بمجال الصحافة والإعلام، كان تحديا كبيرا، كيف يخبر والدته أنها لن تصبح أم المهندس بعد الآن؟ وكم من الخيبات التي ستتجرعها بعد علمها بأنه غادر كلية الهندسة للأبد؟ حمل حقيبته التي رتبتها معه أمه بفتور خشية أن تكون رحلته لدراسة تخصص الإعلام في أميركا مجرد خيبة أمل أخرى، وبالفعل غادر ودرس الإعلام وعاد للعمل في هذا المجال، ولكن لم يكن سوى بكالوريوس تسويق وإعلام، ولا يعني هذا شيئا لا لطموحاته ولا لأمنيات أمه، ولكن من يتشبث بأحلامه يعرف تماما أنه لن يخيب أبدا. عاد مرة أخرى لأميركا ودرس الماجستير، ومن ثم إلى بريطانيا لمرحلة الدكتوراه، في رحلة علمية طويلة استمرت لعدة سنوات، وعاد حاملا الدكتوراه في الإعلام الإلكتروني من بريطانيا، المجال الذي يحبه والذي غادر كلية الهندسة من أجله، عاد محلقا بالفرح وليهدي أمه لقب أم الدكتور، وعاد يعمل في المجال الذي يحبه وتمسك به حتى آخر لحظة.
منتصف هذا الأسبوع أعلنت وزارة الثقافة والإعلام خبر تعيين الدكتور عبدالله المغلوث مديرا لمركز التواصل الحكومي الذي يعتبر من أهم مراكز الوزارة، والذي يسعى لرفع كفاءة الأجهزة الإعلامية في الجهات الحكومية لمواجهة التحول الذي تعيشه المملكة، بل سيقوم بأدوار محورية لتطوير أداء المتحدثين الرسميين من خلال وضع معايير لاختيارهم والبرامج التدريبية التي يخضعون لها، وتعيينه أيضا متحدثا رسميا لوزارة الثقافة والإعلام.
وأنا أقرأ هذا الخبر السعيد، تخيلت ماذا سيكون حال الدكتور عبدالله المغلوث لو لم يتشبث بأحلامه، واستمر في تخصص الهندسة الذي لا يحبه، وماذا سيكون حاله لو كان من المؤمنين بأن الهندسة والطب مفتاحا النجاح في الحياة العملية.
أعتقد أنه كان سيكون مهندسا تعيسا يقوم بعمله فقط من أجل أن تستمر الحياة، ولكن ملاحقته للمجال الذي يحبه وتخصصه فيه جعلاه يتألق ويبدع ويشرق، الكثير من الزملاء المبتعثين الذين أعرفهم يدرسون في مجالات وتخصصات مختلفة يقولون لي: هذا التخصص لديه فرص عمل كثيرة في سوق العمل، وذلك التخصص لا مستقبل له، والمتخرجون منه مصيرهم البطالة، لم أسمع أحدهم يقول أنا أدرس هذا المجال لأني أحبه، لم يقل أحدهم سوف أكون من المتميزين في هذا المجال والفرص سوف تأتي، بل يذهبون للجامعات وقاعات المحاضرات حاملين هم المستقبل الوظيفي حتى قبل التخرج، وينسون تماما أن المستقبل الوظيفي يشرع أبوابه لمن يصر على المجال الذي يحبه ويتميّز فيه، وأن كل جهوده التي يبذلها من أجل تطوير نفسه في مجاله حتما سيحصدها في نهاية المشوار.
«أكثر ما يؤسفني أن أرى شخصاً تخلى عن شغفه. من يتخلى عما يحب، سيجد ما لا يحب». عبدالله المغلوث