كانت تلك الصورة لرب الأسرة المفجوع وهو يتأمل جثامين أفراد أسرته الستة المصطفة جنبا إلى جنب في مشهد يزلزل القلوب، وقد قضوا جميعا في حادث سير مؤلم، كانت بمثابة الصرخة المدوية التي تصور مدى الإهمال ولا مبالاة من حملوا مسؤولية وأمانة صيانة الطرق، وحادث السير المأساوي الذي وقع بين مركز الكدمي وهروب في منطقة جازان ليس الأول، ولن يكون الأخير، هناك مئات الضحايا التي تحصدها الطرق كل عام، ولكن دون بحث في المسببات، والتي تتحمل الطرق الجزء الأكبر منها، فالصيانة معدومة، والتلف واضح للعيان، وخاصة على الطرق السريعة، وبين المراكز داخل المنطقة الواحدة، وفي حادث جازان لم يكن الخطأ على قائدي المركبتين بقدر ما كان محاولة منهما لتفادي تلفيات الطريق، وهذا ما وضحه تصريح وزارة النقل، فقائد الشاحنة كان يحاول تلافي الأخاديد والتصدعات، وقائد المركبة الأخرى كان ملتزما بمساره الصحيح، وعندما داهمه الخطر اجتهد في تفاديه، لكن الكارثة كانت أسرع لتحصد أفراد أسرته أمام ناظريه، ومن خلال الصور المنقولة يبدو ذهوله وعدم استيعابه لما يرى، نسأل الله أن يربط على قلبه، ويلهمه الصبر والاحتساب، وأن يرحم الضحايا، ويسكنهم فسيح جناته، المصاب جلل وأكبر من كل اعتذار أو تبرير، وإن كان تصريح وتعزية وزارة النقل لرب الأسرة يعكس الاهتمام إلا أن هناك مطالبات، أو لنقل صرخات من المواطنين، وجهت إلى الوزارة للالتفات إلى هذه الأخطار، لكن لم نر مبادرات، بل حال الطرق يرثى لها بالفعل، وكم هي المشاريع المتعثرة والمهملة، والتي مر على البدء ببعضها سنوات، وما زالت عند نقطة الصفر، وتلال من الأتربة والحفر تقف حجر عثرة أمام المواطنين الذين يعانون في صمت، فإضافة إلى تشويه مدنهم بهذه الحفريات هناك المعاناة التي يتكبدونها للوصول إلى أعمالهم ومنازلهم، لأن مسار الطريق تم تغييره، وما كان داخل المدينة أصبح خارجها، ولابد أن تقطع المسافات، وتنتظم في طوابير الزحام مدة طويلة إلى أن تبلغ وجهتك، هذا هو الروتين اليومي الذي يمر به بعض سكان المدن في المملكة، وكما هو حالها في الشرق تجده في الغرب والشمال والجنوب والوسط كذلك، سيناريو من المشاهد التي لا أمل قريبا يبدو لنهايتها، وحتى إن تأملت أحد المسارات الذي انعتق من عنق الزجاجة ليمتد مرحبا بمرتاديه، فلن تكتمل فرحتك، إذ ما هي إلا أيام قليلة حتى يعاد نبشه من جديد، ومن هول خيبتك تتمنى أن تندفع أمام تلك المعاول التي تحطم ما تم ردمه بالأمس لتوقف عبثها، تشعر بالأسى وفداحة ذلك العمل الذي يهدر مبالغ طائلة لم يمض على دفنها هنا إلا بضعة أيام، واليوم يعاد عرض الفيلم من جديد بعد أن مل الجمهور مشاهدته، بل بعضهم أصابته الكآبة، وأضناه سوء المنظر، أما المنقلب فهو الدوران من جديد على حدود المدينة وضواحيها، ويأتي التوضيح أن هناك مشروعا قادما لم يكن في الحسبان! وحتى يتم تنفيذه لابد من نبش الطريق من جديد، وكل شهر أو شهرين تتناوب الهمم على هذا الشارع المهترئ، فهذا الشهر يتم الحفر لتمديدات الصرف الصحي، والذي يليه لتصريف مياه السيول، والآخر لتمديدات الهاتف، وبعدها تمديدات المياه، هذه هي فصول الرواية، تعاد كتابتها كلما اكتملت، وفي الإعادة إفادة، ميزانية أخرى تخصص لمشروع آخر، وما يجب إدراكه بالفعل هو أن شوارعنا أصبحت هشة، بل منهكة من كثرة ما أفرغت من الداخل، وبالتالي هي عرضة لا سمح الله للتشقق والهبوط عند أول ظاهرة طبيعية تمر عليها، سواء كانت سيولا أو أمطارا أو غيرهما، وإن كنا نسأل الله السلامة واللطف إلا أن البنية التحتية للطرق هشة ولا تحتمل، حتى إننا نلاحظ أن بعضها متصدع أو فيه شقوق على الرغم من حداثة إنجازه، وفوق ذلك صيانته معدومة.

 لا ننكر أن هناك شبكة طرق عملاقة، ومشاريع أنجزت في تحدّ قوي للعقبات التي اعترضت التنفيذ كالسلاسل الجبلية أو الوديان السحيقة، لكن من يتابع مشاريع اليوم وطريقة تنفيذها لا يصدق أن تلك المشاريع أنجزت، حيث إن الفارق شاسع في مهارات العمل والإخلاص فيه، وهذه حقيقة كلنا يدركها، فليس من شقوا العقبات وردموا الأودية ومهدوا الهضاب هم ذاتهم من يعبثون بشوارعنا اليوم، ولو أسهبنا في الحديث عن الطرق جرّنا ذلك إلى أشياء أخرى هي مرتبطة بشبكات الطرق، الاستراحات والمرافق الخدمية، والتي من المفترض أن تخدم مرتادي هذه الشبكات الممتدة عشرات الكيلو مترات، والتي يحتاج فيها العابر إلى أماكن نظيفة للراحة أو أداء الصلاة، غير أن ما هو موجود لا نستطيع وصفه، إلا أنها أماكن حتى الدواب تعاف أن تستخدمها، فالنظافة معدومة والحشرات مقيمة، والغبار والأتربة متراكمة، وحتى ما خصص على أنه لمساجد لا تستطيع أن تدخله، فما بالك بالصلاة هناك، باختصار هذه الأماكن مهيأة لتكون حاضنة للبعوض وناقلة للأمراض، والطرق أيضا مهيأة لحصد الكثير من الأرواح إن لم تكن هناك وقفة جادة للمتابعة والمحاسبة وملاحقة من تساهل وتستر على من لا ضمير له ممن نفذ أو أشرف على تنفيذ هذه الطرق.