لن يبقى طاغية على وجه الأرض مهما بلغت قوته ومكره، فهناك قوة أكبر وعدالة إلهية كفيلة بإنهائه مهما امتد به الزمن، والتاريخ أرخ لنماذج كثيرة، بعضها سرد القرآن الكريم قصته بشكل مفصل، وصور نهايته المأساوية التي لم تبق له أثر، ومن فرعون إلى قارون إلى قوم تبع ولوط وغيرهم كثيرون.

وفي عصرنا الحاضر وفي ظل هذه الفوضى غير الخلاقة وجدت السياسة طريقا ممهدا لتتبنى شخصيات هي أبعد ما تكون عن المسؤولية الوطنية، أو الحس الأخلاقي الذي يجعلها تعف نفسها عن الانخراط في أعمال أو اتفاقات تصب في مصلحتها الشخصية، وبعدها لا يهم إن كان للوطن أو المواطن نصيب من هذه المكاسب، وفي ظل هذا الهلع على تجميع الثروات، تلاشت الحريات وجاءت التصفيات الجسدية للمعارضين، العقوبة المتبعة وتحت ذرائع كثيرة، خيانة الوطن، الخروج على الرئيس وغيرهما من التهم التي لا جزاء لها إلا الموت، وهكذا كان الحال في بعض الدول، خاصة ما سمي منها بالدول النامية، حيث أوجدت قادة دكتاتوريين أبدعوا في ظلمهم وطغيانهم، وكان لعالمنا العربي النصيب الأوفر، حيث لم يخل المشهد من أولئك القادة الذين قبضوا على الحكم عنوة، واستمروا على كراسي الرئاسة عشرات السنين، متخذين من الخطب الرنانة التي تمجد القومية، وتدعو إلى الوحدة وسيلتهم لتخدير شعوبهم، وحجب أنظارها عما تنهبه من ثرواتها وما تصادره من حقوقها.

شعوب عديدة عاشت القهر والتهميش، وعلى ما كانت تحويه أوطانها من ثروات على ما عاشته من فقر وجهل وانتشار للأوبة والأمراض الفتاكة، المفارقة أن تلك البلدان في حقبة ما كانت ممالك عظيمة، خلفت حضارات خالدة، ترك روادها أثرا كبيرا في علم الحساب والفلك والهندسة والطب وما سواها من علوم، لو تمت رعايتها لكانت تلك البلدان منارة في الرقي والتحضر، لكن مع الأسف من تولى أمرها بعد التوهج كرس الجهل والتخلف وتعطيل العقول عن التفكير والسواعد عن البناء، وهذا التخدير ساعد الطغاة كي يحكموا سيطرتهم على البلاد والعباد، ويكفي أن يبرمج شعب على أنه ضعيف وبلاده تفتقر إلى الثروات الطبيعية التي يمكن أن تنعش الاقتصاد وتدر العوائد المالية التي تفيد في خطط التنمية، فذلك يكفي لتسرب اليأس إلى النفوس وتسليمها بأن هذا نصيبها، ولا طائل من المحاولة.

وهكذا كانت غالبية الدول التي تنبهت لوضعها في وقت متأخر، ثم حاولت من خلال الثورات التي قادتها أن تغير من واقعها، لكن لم تحقق نجاحات تذكر، بل انقسمت على نفسها، ودخلت في حروب مدمرة، مهد أغلبها لدخول جماعات إرهابية، شكلت إضافة إلى الأنظمة المجرمة في بلدانها جبهات قتالية متعددة، وفجأة وجدت نفسها حتى وإن كان بعضها قد نجح نوعا ما في التخلص من الحاكم، وجدت نفسها أسيرة طغاة آخرين، استولوا على تلك الأوطان، وسعوا إلى تطبيق نهجهم المتشدد الذي لم يكن أقل سوءا من الحكام البائدين، كانت تجربة مريرة ورحلة شاقة، احتفت بنفسها في البداية، وخلعوا عليها الكثير من المسميات، كان أشهرها الربيع العربي وربيع الثورات.

لكن الربيع تحول صيفا أجرد، ثم شتاء شديد البرودة خلف وراءه مئات المشردين والمعدمين الناجين من مقصلة الموت التي أبادت أحياء بكاملها، ومازال الوضع كما هو بعد مرور سنوات عديدة، وإن كانت لم تحقق ما كانت الشعوب تطمح إليه إلا أنها كانت عاملا قويا في اختلاف الطغاة فيما بينهم، ومن ثم احتدام الصراع الذي يبدأ بتصفيات المنافسين، ومهما كان بينهم من اتفاقات أو عهود، وفي الأصل الطغاة لا عهد لهم ولا أمان، وفي أي لحظة وعند تعارض مصلحة أحدهم فإن لديه الاستعداد للتخلص من منافسه وبأبشع الطرق، المهم أن يتخلص منه.

وهذا السيناريو حصل في اليمن، فما إن خرج علي عبدالله صالح على حلفائه ميليشيات الحوثي العميلة لإيران، والتي تخلت عن عروبتها حتى سعوا بكل الطرق إلى تصفيته وبطريقة وحشية، تعكس ما وصلت إليه هذه الجماعة الخائنة من دموية، ومهما بلغ بالمسلم الحقد على عدوه فهناك حرمة الميت التي تمنعه من التمثيل بجثته، والتشفي بطريقة موته، وهذا يوضح بجلاء للشعب اليمني المغلوب على أمره سياسة ونهج هذه الجماعة، هي ماضية في تخريب اليمن وتقسيمه، بل ولن ترتدع في تسليمه للنظام الإيراني الذي يكن للعرب العداء، وينتظر الفرصة للتدخل في شؤون دولهم، متخذا من التقارب المذهبي مع البعض ذريعة، ومن يصدق تلك الحيل هم السذج والخونة لأوطانهم وعروبتهم، إيران لا يمكن أن تخلص النية تجاه العرب، هدفها توسعي تخريبي انتقامي، وفي سبيل المصلحة لن تفرق بين من يتقاطع معها أو يختلف، ولنا فيما حصل في العراق وسورية ولبنان واليمن الآن خير مثال، لذلك فليس أمام أبناء اليمن الشرفاء إلا الجهاد لاستعادة وطنهم من سيطرة الخونة، بغض النظر عن الثأر لهذا أو ذلك، الوطن هو من يستحق الثأر ممن خانه ودمره وشرد مواطنيه.