«اكتشف أسرار التجارة في الصين» «تعلم أسرار الاستيراد من الصين» «معنا تستطيع كشف أسرار الصين»، مثل هذه العناوين التي انتشرت في الآونة الأخيرة تدعو لتقديم دورات تطبيقية للتجارة والاستيراد من الصين، ويقوم بها عدة أشخاص من جنسيات مختلفة، أشهرهم من الجنسيتين السعودية والكويتية، تابعت بعضهم خلال ثلاثة الأشهر الماضية عبر برنامج «السناب شات» لأطلع على تفاصيل برامجهم التي يروجون لها.
في بداية متابعتي لأحدهم وجدته في أحد المدن السعودية، يروج بشكل يومي عبر حسابه لبرنامج ودورة تطبيقية بعنوان «اكتشف أسرار التجارة في الصين»، وهذا البرنامج عبارة عن باقة سفر من الرياض إلى قوانجو مع الإقامة في فندق لمدة 8 أيام، وخلال هذه الأيام يدعي مقدم ومشرف البرنامج أنه سوف يعلمك آفاق التجارة الناجحة، وأنه سيوفر عليك الوقت والجهد، ويختصر عليك المسافات لتحقيق الربح السريع.
ظل يروج لهذا البرنامج التطبيقي لمدة أكثر من شهر عبر حسابه الشخصي، ويستغل لقاءه بمشاهير مواقع التواصل الاجتماعي للتنويه عن دورته، ويسوق لها من خلالهم، وقبل بداية البرنامج بأيام قليلة أعلن لمتابعيه أن كل شخص ينشر إعلانا عن دورته التدريبية عبر حسابه في السناب الشات أو الإنستقرام أو تويتر سوف يدخل في السحب للفوز بباقة مجانية في دورته «اكتشف أسرار التجارة في الصين»، ولم يبق وسيلة للإعلان والترويج لدروته لم ينتهزها، حتى قبل بداية الدورة بيوم واحد أعلن أنه سوف يسبق المشاركين في الدورة إلى مطار قوانجو ويستقبلهم هناك، وبالفعل عند بداية البرنامج وجدته في استقبالهم بالمطار، وكان عدد المشاركين تقريبا 9 أشخاص من الشباب السعوديين الذين يزورون الصين لأول مرة، وكانت الصدمة والمفاجأة أن مقدم البرنامج لا يجيد اللغة الصينية، عندما كنت أشاهده يروج لدروته في الصين ويؤكد على خبراته في الاستيراد من الصين، وأنه منذ زمن طويل يعيش في الصين، وأنه بخبراته ومهاراته هذه سوف يجعل من يشاركون معه ينعمون بالطرق المضمونة للربح، توقعت أنه على الأقل يجيد اللغة الصينية حتى يستطيع أن يساعدهم بأبسط الأمور، ولكني صدمت بأنه لا يتحدث الصينية إطلاقا بل ويستعين بمترجم صيني سيئ للغاية في الترجمة ويتحدث العربية بركاكة، وأعتقد أنه اختار هذا المترجم لأنه قليل التكلفة، تجاوزت نقطة إجادته للغة واستعانته بمترجم غير جيد، وقلت لعل وعسى ما أراه من تميز في الدورة التطبيقية التي سيقدمها قد يجعلني أغفر له مسألة اللغة، ذهب بالمشاركين إلى فندق متواضع، وفي اليوم التالي صباحا اصطحبهم إلى سوق الجملة للأجهزة الكهربائية والإلكترونية في نفس المدينة، واليوم الثالث إلى سوق «الباي ما» وهو سوق الجملة للملابس الجاهزة، ومن ثم إلى سوق ملابس الأطفال بالجملة في شارع جيوشان بالو، واليوم الرابع إلى شارع «سن يو لو» المشهور بالمنتجات المقلدة لأشهر الماركات العالمية، وكل هذه الأسواق التي يدعي مقدم البرنامج أنه يفك ألغازها للمشاركين هي أسواق معروفة ومشهورة، ولا يأتي أي زائر لقوانجو من أي جنسية ولا يستطيع الوصول لها بسهولة، بل إن أي زائر لمدينة قوانجو يستطيع التجول في أغلب أسواقها من خلال المترو، وبمجرد الكتابة من خلال موقع جوجل: «أهم أسواق قوانجو» ستجد كافة الأسماء مع العناوين بكافة اللغات، ولن تحتاج إلى مترجم في عملية الشراء والتسوق لأن أغلب الموظفين فيها يتحدثون باللغة الإنجليزية، وبعضهم يتحدث بعض الكلمات العربية لكثرة العرب الذين يزورون هذه الأسواق، تابعت أشخاصا آخرين يقدمون دورات التجارة والاستيراد من الصين فوجدتهم يتشابهون تماما في الطريقة مع بعض الاختلافات البسيطة، ولم أجد في هذه البرامج سوى الخداع واستغلال خوف البعض من الأسواق الصينية ومن الثقافة الصينية، وإقناعهم بأهمية مثل هذه الدورات مستغلين اعتقاد الراغبين بالتجارة من الصين بأنهم قادمون لمكان مليء بالأسرار والمجهول! بينما في الواقع أن التجارة في الصين واضحة المعالم، ولا تحتاج أن يدفع التجار المبتدئون مبالغ طائلة لمروجي مثل هذه الدورات التي يذكرني من يقدمونها بطبيب يجري عمليات الليزك والليزر للعيون وهو يرتدي نظارات طبية، أو استشاري التخسيس والريجيم وهو يعاني من سمنة مفرطة. وكذلك هم مروجو دورات التجارة في الصين، يوهمون متابعيهم وعملاءهم بأنهم يكشفون لهم أسرار التجارة من الصين، والطرق المضمونة للبضائع الجيدة وكيفية التسويق لها وبيعها، ولو كانوا صادقين لانشغلوا باستغلال معرفتهم بأسواق الصين لفتح مشاريع وتجارة خاصة، ولم يجدوا الوقت الكافي لعمل مثل هذه الدورات، ولكن لأنهم لم ينجحوا في التجارة والاستيراد من الصين ذهبوا لاستغلال رغبة الشباب في التجارة من الصين تحت وهم الثراء السريع.