في ظل الكتابات عن التحفيز والإيجابية وتحقيق الأحلام، نجد كثيرا من الكتب تحمل عناوين غير مسؤولة. كان هناك كثير من العناوين التي اطّلعت عليها، لم أجدها سوى طُعم يجعل القارئ يقتني الكتاب تحت وَهْم أنه بمجرد اطّلاعه على هذه الكتب سيحصل على وصفة النجاح في هذه الحياة.
العناوين: «أيقظ العملاق وأطلقه»، «العادات السبع لتكوين ثروة مالية»، «10 خطوات لترقي السلم الوظيفي»، «تعلم اللغة الألمانية في أسبوع»، وهكذا تنتشر مئات العناوين التي تشعرك بعدم تحملها هَمّ المسؤولية، بل تهدف إلى بيع الوهم.
يدخل معظم الكُتّاب في هذا المجال بحثا عن المال والشهرة، باستغلال حاجة الشباب إلى المهارات الحقيقية التي تعينهم على تخطي صعاب وعقبات الحياة.
فمثلا، يتم إيهامهم أن سبب البطالة التي يعانونها تعود إلى يأسهم وعدم محاولتهم بجدية للحصول على وظيفة العمر التي يحلمون بها، وللأسف تجد هؤلاء الكُتاب ومدربي التنمية البشرية الذين امتلأت بهم منصات القاعات وأرفف المكتبات، هم بأنفسهم لم ينجحوا في الحصول على الوظيفة التي يحلمون بها، بل يحملون أفشل السير الذاتية، وتتساءل: كيف لهؤلاء الذين لم يحققوا النجاح لذواتهم ومحيطهم من الأبناء والأقارب والأصدقاء المقربين منهم، يدّعون أنهم قادرون على تحفيز الآخرين وإرشادهم إلى سبل النجاح التي لم يسلكوها يوما، ولو كان لديهم بعض التجارب الناجحة، فإن هذا لا يعني أنهم يملكون أسرار ومفاتيح النجاح التي يستطيعون أن يمنحوها للآخرين الذين يحرصون على اقتناء كتبهم أو حضور دوراتهم التي تبدأ بإعلانات سارع بالحجز، المقاعد محدودة، لتفاجأ عند حضورك أن نصف المقاعد فارغة، واختصار المحاضرة تعتمد على مقولات مكررة عن عدم اليأس لتحقيق النجاح، والإصرار على تحدي الصعاب.
الفلسفة التي يعتمد عليها هؤلاء في كتبهم هي فلسفة ماسلو التي صنّفها كهرم للحاجات الإنسانية، وهي فلسفة بدائية تستند إلى حاجة الإنسان للحاجات الفسيولوجية مثل التنفس، والطعام، والنوم، والحاجة للأمان مثل الأمن الوظيفي.
ولذلك، النصوص التي تعتمد على الفلسفات البدائية، لا تجد قبولا كبيرا عند القارئ، لأنها فلسفة اعتيادية لا تستفزه، ولا تمنحه التجربة والخبرة والفائدة الحقيقة، مثلما تفعلها السير الذاتية لشخصيات تاريخية ومعاصرة، والذين وضعوا تجاربهم وخبراتهم وآلامهم وأسرارهم في كتاب سيرة ذاتية حقيقي يغني عن عشرات كتب التحفيز والتطوير التي لا تبيع سوى الوهم.
كتب الروايات الأدبية أيضا مليئة بالشخصيات التي يشرح فيها الروائيون تفاصيل معاناتهم في هذه الحياة، يصورون لك كيف الحياة تسحقهم وتبلورهم مرة أخرى في فلسفات معقدة تستفز القارئ، مثل شخصية زوربا الذي بتر أصبعه لأنه يشكل عائقا أمام حريته أثناء صناعة الفخار، شخصية مستفزة تجذب القارئ، وتجعله يترقب بقية النص، وأن يترقب هذا الشخص ماذا سيفعل بعد أن أصبح جسدا بأصبع مبتورة، تحديا لأي عائق يواجه حريته، هناك كثير من الشخصيات في كتب السير الذاتية والروايات، وأن نقرأ هذه الشخصيات سواء الحقيقة في كتب السير الذاتية أو الشخصيات الوهمية في الأدب الروائي اليوناني والروسي والهندي والصيني وكل ترجمات صالح علماني وغيرها، ستجعل نظرتنا إلى الحياة تختلف تماما، ستتولد عن ذلك فلسفة أعمق، وبالتالي خبرات وتجارب عميقة وأصيلة تساعدنا -ولو بالشيء اليسير- على مواجهة تحديات ومصاعب الحياة التي لن نخوضها باقتدار، إلا من خلال الاستفادة من تجاربنا الشخصية مهما كانت الخبرات التي قرأناها، إلا أننا مع امتنانا لها على الاستفادة التي استفدناها من تجاربهم، فإن لكل شخص حياته وظروفه الخاصة التي لا تتوافق مع الآخرين، وبالتالي تجاربهم قد لا تناسبنا في كثير من مناحي الحياة.