ولا يمكن القول إن المسير قد أضناها، فلم يمض على انطلاقها سوى أشهر قليلة، وكانت في بداية الانطلاق قوية، وجسورا تبحث عن أكثر الأنشطة متعة، ومطلبا للجماهير المتعطشة للفن والبهجة والحبور، في رحاب المسموح دون الشطط، أو المطالبة بما هو في طيات المستحيل.

اكتظت القاعات بالحضور، وتزاحم الناس عند البوابات، ونفدت تذاكر الدخول قبل طرحها، وتولى الجمهور مهمة إحياء الحفلات برفقة الفنانين، مرددين مقاطع الأغاني، ومنتشين ببراءة المتذوق المحروم، وكان ذلك أقوى إشارة إلى أن الرغبة في التغيير وزرع البهجة وصل إلى ذروته.

وكانت الدلائل تؤكد أن تلك الأنشطة ستستمر حتى فصل الصيف، وهو الأَولى بتفعيلها، نظرا لفترة الركود والحرارة الملتهبة، غير أن الآمال أُحبطت بعد أول احتفالية، واختنقت البهجة أو خنقت ومعها الأصوات المستنكرة صمتها، وتراجع المنظمون عن وعدهم.

ظهرت تصريحات متضاربة، لم يصب أيّ منها كبد الحقيقة، بل إن بعضهم عدّ التصريح المؤكِّد على عودتها ضلل المتابعين ولم يكشف السبب الحقيقي للإيقاف، لينصرف المترقبون إلى وجهات أخرى توفر لهم اليسير من المتعة، في ظل هذا الصيف القائظ الذي يلفح جلودهم بالحرارة والرطوبة الخانقة.

وكان من الواجب البحث عن معينات تساعد هؤلاء البشر على تحمل تطرف المناخ، بأن نوجد ما يلطفه سواء بالفعاليات أو بتوافر أماكن مهيأة للترفيه، غير الأسواق التجارية التي تختنق بالناس والضجيج، وبدل أن تذهب إلى الترفيه تخرج مصابا بدوار البحر.

بات الجميع متخوفا من أن حماس هيئة الترفيه قد فتر، وأنها ربما تؤجل ما كانت عازمة عليه إلى أجل غير مسمى، كما حصل مع حفلات صيف أبها، غير أن ذلك لو حصل فسيكون الانعكاس سيئا جدا على أولئك البسطاء الذين استبشروا أن واقع الحال سيتغير، وستكون هناك حفلات غنائية وأنشطة مسرحية، وربما صالات سينما، وواقع جديد يكسر هذا الجمود الذي نعيشه طوال العام إلا من المهرجانات السنوية، كمهرجان التراث والثقافة، وسوق عكاظ، ومعرضي الرياض وجدة للكتاب، لكنها نخبوية ومحصورة في ثلاث مناطق وبالتالي حضورها ليس متاحا إلا لسكان مدن الرياض والطائف وجدة، وإن استطاع بعضهم من خارجها فهم قلة.

كثير منا كان يراهن على أن صيف هذا العام سيسجل فارقا كبيرا من ناحية الاستعداد والأنشطة، قياسا على ما بدأت به هيئة الترفيه من توهج، لكن يبدو أن حرارة الصيف هبطت من العزائم التي نتمنى ألا تدوم طويلا، وألا يهزم فيها النشاط والرغبة الجادة لإدخال البهجة في النفوس.