القبح الذي غزا بعض شبابنا، وتمكن من السيطرة على ذائقتهم، واستدرج أسماعهم، وأخذ يتربص بهم، وبات يحتل مكان الفن العريق والموروث الشعبي الأصيل، ويتسيد مناسباتنا، أعني "الشيلات"، هذه الظاهرة التي غشيت ذائقتنا في السنوات الأخيرة، وغزت المجتمع السعودي بشكل كبير جدا، والقائمون عليها يعمدون إلى تسطيح الفن الحقيقي العريق، بل انتزاعه تدريجيا، ودسه تحت هذه الهشاشة واللهو الفارغ، بحجة أنها المجنبة من الوقوع في الحرام كما يدعون. فأصبح حيث تولي وجهك تسمع شيلة، وترى الجميع يتراقصون ويتمايلون عليها.
في أعراسنا غابت الخطوة والزحفة ورقص التركي، وحضر مشاهير الشيلة الذين لم أجد لهم شبيها، سوى فقاعات الصابون تحلق، وننبهر من لونها وجمالها وشفافيتها، وما هي إلا لحظات وتصبح حالة معدومة لا وجود لها.
في الشارع، وعند الإشارات المرورية، كان يتسرب إلينا من السيارات المجاورة صوت محمد عبده أو طلال مداح أو خالد عبدالرحمن. والآن تبدلت الحال، وبتنا لا نسمع سوى أصوات نشاز تشعر النفس بالضيق.
في السنوات الأخيرة، كلما دعيت إلى مناسبة سواء كانت عرسا أو تخرجا أو احتفاء بشخص، لا أجد إلا الشيلات، حتى أصبحت أرفض الذهاب إلى أية مناسبة من هذا النوع.
أتذكر في إحدى الليالي، وأنا في حالة كتابة، وكعادتي أبحث عن أغنية لمحمد عبده، تعينني على الكتابة، وأثناء استعراض الأغاني وقعت عيني على أغنيته الشهيرة "ستل جناحه"، والتي كتب كلماتها الأمير خالد الفيصل، وجدتها تحولت إلى شيلة استنسخت بشكل قبيح يسيء إلى فنان العرب ولدايم السيف، الذي تُعد قصائده ركيزة أساسية ومهمة في انتشار الأغنية العربية والسعودية تحديدا.
لا أعلم هل أخذ هؤلاء الذين مسخوا الأغنية إلى شيلة، الإذن من الشاعر والفنان أم إنها سرقة؟! وليست هذه الأغنية فقط، بل كثير من الأغاني الشهيرة والقوية يتم مسخها.
وقد أصبح انتزاع القيمة الجمالية في الأغاني، وتحويلها إلى شيلات وجمل منزوعة الدسم، ثم تغنى بأصوات نشاز ترفض الحياة الحقيقية، ظاهرة مخيفة تستدعي التصدي لها وعلاجها قبل أن يصبح الشباب مستنسخين من بعض، بلا هوية ولا ذائقة ولا وعي، بخطر هذا العبث على قيمنا وعاداتنا وموروثنا.
وأرى من جهتي في أمنيات أسردها، أن يكون العلاج بأربع خطوات:
أولا، مقاطعة الشيلات وعدم المساعدة في نشرها وتداولها.
ثانيا، توجيه نداء للشعراء الشعبيين الذين أسهموا بشكل كبير في انتشارها وتشجيع الأصوات التي ظهرت على توفير القصائد، بالتوقف عن هذا العبث من أجل الانتشار الشخصي على حساب موروثنا وتاريخنا.
ثالثا، وهو ما أتمناه على الشباب الواعين الذين يجيدون استخدام المواقع الإلكترونية، أن يسهموا في الحل الثالث وهو: التربص بالقنوات التي تنشر الشيلات والتعامل معها بشكل جاد للحد من انتشارها.
رابعا، أتمنى أن يتخصص أحد لجمع الأغاني التي حولت إلى شيلات، ثم يحاكم المعتدون عليها.
أقول هذا لا وقوفا في وجه أي تطوير لتراثنا الفني والشعبي عموما، بل حماية له وغيرة عليه وعلى الفن العريق الذي تربينا عليه، وأصبح مكونا أساسيا من ثقافتنا، باعتباره روح ثقافة الإنسان والمكان.