العابرون خط الحياة إلى هوة الضياع، المنفصلون عن الكيان المستقر. الضائعون على خرائط مبعثرة، لا جهات محددة واضحة لها تحدد لهم الوطن، ولا تراب يستقرون عليه ويشكل هويتهم وملامحهم.. اللاجئون..

الأجساد المبعثرة على هامش خارطة الوطن، يجوبون الأرض كما يحملون فوق ظهورهم شقاء الترحال وحياة التشظي والغربة، فهم يحملون في نفوسهم أبشع ما يمكن أن يثقل الإنسان: مغادرة الكيان .. مصابون بفقد الأرض والأهل والخوف من المصير المجهول خلف الحدود..

فوق رزمة المعاناة التي قذفت بها لهم الأقدار، هناك كارثة حقيقية تتربص بهم ليورثوها أطفالهم، ألا وهي: الجهل ..

الجهل بكل معانيه .. الحرمان من ممارسة الأطفال حقهم الطبيعي في الدراسة كما هو حظ أقرانهم المستقرين في أوطانهم .. الحرمان من التعليم يعني جيلا قادما مهزوز الثقة تائها، ليس له الحق في ممارسة الحياة بشكلها الاعتيادي.. هذه المعضلة بل الكارثة هي أسوأ ما تفرزه الحروب، ويخلفه القادة لشعوبهم.

الجهل هو الداء القاتل للإنسان أولا، وبالتالي المعطل لنهوض المجتمع وتقدمه، فكيف إذا غاب الإنسان عن وطنه وهو يحمل جهله.. يتعثر به في كل محطات حياته!!

هذا عن حرمان اللاجئين من التعليم. أما الجانب الآخر السيئ من الكارثة فهو غياب اللاجئ سواء أكان باحثا أو شاعرا أو قاصا عن فرصته في تطوير مشروعه الثقافي. فغياب القراءة المستمرة، وانعدام القدرة على الكتابة تعطيل أساسي لأي مشروع ثقافي يطمح له أي شخص مهتم..

علاج هذه المعضلة ليس سهلا إذا كانت القيادات هي السبب في خلقها من الأساس. اللاجئون العرب ضحايا ربيعهم المدمر، وما خلفه من صراعات وحروب ساحقة جعلت منهم أشتاتا في كل جهات الدول الأوروبية.. إذا كان اللاجئ يخضع لرحلة كوكبية لا يتأمن له السكن والغذاء إلا بجهد مضاعف، فكيف يؤمن له قلم حر وكتاب مفسوح وقناة يطل منها على العالم؟؟!!

هؤلاء يحتاجون وقفة صادقة من قادة عرب حقيقيين - لو وجدوا - يعدون لهم ما استطاعوا من حلول ممكنة أو معجزات تعيد لهم التوازن الحياتي..

الاهتمام باللاجئين مهمة مشتركة تبدأ داخلية فردية من الكتاب والمثقفين بالكتابة من أجلهم، والشعور بالمسؤولية تجاههم، وتكتمل بقرارات دولية عربية وعالمية من أولئك الذين يرددون الشعارات الإنسانية والسياسية منبريا.. حين نرى أن أبناءنا وأسماءنا الثقافية مغيبة في غياهب الجهل، عندها نشعر بالحزن، ونتدارك الأمر، ونبحث عن طرائق تؤدي إلى الوعي، فكيف يجب أن نكون مع أمم تسير أفواجا إلى المصير المجهول؟