كما كانت العرب تحتفي بمولد شاعر، تتحفنا (عكاظ) كل عام بميلاد شاعر شاب نابغ، وحائل ليست مدينة التاريخ ومسكن قبيلة طيئ، بما تحمله هذه القبيلة من ثراء تاريخي، بين جبليها الشهيرين (أجا وسلمى)، وموطن الكرم ودار أبيه الأول حاتم الطائي، وموقع الأحداث التاريخية المعروفة. هذا ما يحضر في ذهن كل عربي عند ذكر حائل، بعض القراء والمثقفين والمؤرخين لا يعلمون أو لا يدركون أنها معقل ثقافي مهم، تنتمي إليها أسماء أدبية مثلت الوطن داخليا وخارجيا في العديد من الجوائز والمناسبات الثقافية، وكتّاب يحتلون أغلب الصحف السعودية، لهم إنجازات متتالية لا مكان لحصرها هنا، كان آخرها حصول (خليف الشمري) على جائزة شباب عكاظ في ختام العقد الأول من سوقنا الثقافي.

خليف كان له القدرة في تغيير مسار جائزة شعراء شباب عكاظ، ورسم وجهة جديدة وطنية لها، لتحط في شمال غربي المملكة، رغم ما سمعناه عن إيمانه -كما يقول هو- بصعوبة أن يكون الإنسان شاعرا في واقعنا العربي، إلا أنه استطاع أن يكون كذلك بتمكن وقوة وقدرة على خطف الجائزة من خلال رسالته إلى الشنفرى، وصوته الشعري القوي القادم الذي بلغ بمدينته ومكانه درجة تضاف إلى تاريخهم الثقافي والاجتماعي والعلمي.

رأيناه يسير بخطى واثقة وروح وثابة وملامح تنبئ عن شهامة وأصالة الرجل العربي، يسير باتجاه صخرة عكاظ ليرتدي بردة الشعراء الشباب، وأنا أراه في تلك الأثناء، تذكرت ابن الوطن الذي يحضر برجولته واهتمامه وكرمه وحرصه، لا يبتغي من الحياة ظهور اسم ولا تبوأ مقعد شهرة، يريد أن يوصل رسالته، أن حائل باقية على سمات المثقف السوي، وهي الشيم والشهامة والنزاهة. وما أجمل أن تجتمع القيم والشاعرية في آن واحد، فهذه القفزة المتمكنة أظنها إشارة تنبئ بأن هناك شاعرا قويا قادما سوف يؤسس لمرحلة شعرية قوية شمالي الوطن، وعكاظ ممثلة في رائدها ومحييها بعد موتها، وأول المهتمين بالحركة الثقافية الأمير خالد الفيصل، له دور مهم بل أساسي في فتح منافذ لظهور المبدعين، ليكون حضورهم عالميا أسوة بالأسماء العالمية الحاضرة في عالم الإبداع، واستحداث أكاديمية الشعراء، ومحاورة الشعراء الشباب، وطرح رؤاهم وأفكارهم، دليل على مكانة الشعر والشعراء على خارطة الثقافة، وعكاظنا هو قلب هذه الخارطة.