لم يكن هذا المنتج البحثي الذي كان وقوده الصبر والتفاني والحرص على خلق شيء متفرد ودقيق، لم يكن سهلا، لأنه تناول فترة زمنية ممتدة بعطاءات شعراء يختلفون في المذهب واللغة والنهج والحضور، ويرتهن لمصادر تحتاج جهدا لجمعها عن شعراء منطقة عسير من 1351 حتى 1430، ولكون التفات واهتمام الباحثين، سواء من داخل المنطقة أو خارجها، بالشعر والشعراء في هذه المنطقة جاء متأخرا نوعا ما.

ولذا فالمصادر في هذه الحالة تكون صعبة، سيما المصدر الأساس (الدواوين)، بالإضافة إلى تأخر الاهتمام، تأخرت الطباعة في عسير، مما أسهم في خروج دراسات بسيطة عن هذا الجزء من الوطن. هذا البحث (الشعر في عسير)، لم يخضع للتخصيص والتركيز على موضوع أو شاعر أو حقبة زمنية محددة تناولها الباحث بسهولة حسب توفر المصادر وإمكانية الوصول إليها بسهولة ودون عناء، بل جاء شاملا كاملا وافيا دقيقا، يبحث في إنتاج ثلاثة أجيال من الشعراء في عسير، من يقرأه يتضح له جليا أنه سبق هذا العمل تخطيط بعناية فائقة تليق بالمكان وبحجم الشعراء وكثرتهم. غير هذا فإن الباحث يمتلك مقومات ثلاثة تميز بحثه وتجعله درة الكتب في عسير، ولا أبالغ لو قلت على مستوى الوطن. تلك المميزات؛ كونه شاعرا، ولغويا وأديبا متمكنا ومميزا، مما أضفى جمالا بالحس الأدبي، واختيار المفردات اللغوية المتفردة، وتوظيفها جيدا. وميزة ثالثة تتمثل في كونه ابنا للمكان، وهذا يعطي العمل تميزا ودقة أكثر، لمعاصرته ولتجايل الباحث وحضوره وقراءته الواعية، ومتابعته الجيل السابق، وجمع وتمحيص نتاجهم وترقبه ومتابعته الجيل الحالي. تلك ميزات أضيفت إلى الإخلاص والجدية واستثمار الوقت والجهد لبضع سنوات أسيرا لمكتبته وكتبه ومراجعه، أشبه الشعر في عسير بقطعة الزرع المشتركة بين عدة أشخاص، والغائب صاحبها يأتي الشركاء، وكل واحد منهم يرمي بذوره ويغادر دون أن يعتاد الأرض إلا وقت الحصاد.

تمر السنون، يأتي صاحب الأرض، يعيد الحياة لها، يحرثها و(يبشرها)، ثم يعملها ويزرعها ويتابع زرعه أولا بأول، وباهتمام المحترف حتى يؤتي أكله ليكون حصاد الموسم، وأجود ما حوت البيادر، يشبع منه ويخزن لوقت شح وفاقة، وذاك هو بحث الدكتور أحمد التيهاني: (الشعر في عسير) الذي أبهج الجميع، وأثلج صدورهم، وطمأنهم أن تاريخهم الشعري ذو قيمة ستكون محفوظة ومقدرة، وفي أياد مخلصة له، وتعي أهمية الحفاظ على تاريخه.