ننادي بالتجديد وتغيير الخطاب الديني ومواكبة العصر وكلها أمور محمودة، بل ضرورية إلا إذا أردنا العلمانية التي تعني التنكب لكل الدين في كل موضوع، لكننا ما زلنا مكبلين بعدة عوائق تمنع من التجديد كالتراث والأيديولوجيات المحلية والدين المسيس، وهذه عوائق حركية وواضحة، لكن هناك عائق غامض قلما من ينتبه له وهو عائق الفكرة عن الدين أو كيف يتشكل الدين؟ سواء مفهومه أو أحكامه وهل هو موروث يتناقل أم بدهي يعرف؟ فما نمارسه الآن أو الرؤية المعاصرة هو أنه موروث يُنقل، ولذا تم تفخيم مصطلح النقل ليشير إلى أهمية الدين المنقول، أي أن الشيء لا ينقل قديما عبر الأجيال إلا إذا كان ذا قيمة كقيمة العقل نفسه ولذا يقال العقل والنقل فهنا قيمتان متعارضتان، ولم يكن يقال العقل والنص مع أن المنقول هو النص وما ذاك إلا لتفخيم وتعظيم النص بالنقل، فأصبح النقل عبر الأجيال مشكلا لقيمة في حد ذاته، فكل هذا أعطى أهمية للموروث على حساب دين الفطرة البدهي التلقائي الذي يعرفه الشخص من تلقاء نفسه بعقله، ولذا حينما ننظر للقرآن ومعاتبته لأهل الكفر نجد أنه لم يعاتبهم على عدم نقل دعوات الأنبياء السابقين إلى زمنهم أو أنهم فرطوا في تراثهم، وإنما كان يعاتبهم على تنكب دين الفطرة وكان يطالبهم بالتفكر في هذا الوجود لمعرفة الله ولم يكن يطالبهم بالتنقيب عن تراث الأنبياء السابقين من أجل اتباعهم، وإذا كان هذا في أصل الديانة فكيف بفروعها، فكل هذا يشير إلى أن ما يعرفه الإنسان بنفسه أفضل مما ينقل له في غير العبادات المحضة ذات الصفات الغيبية المحددة وبعض الكفارات، والعجيب أننا نتشدق أو نردد دائما أن الإسلام دين الفطرة وربما نعتمد على نصوص في ذلك، بل ونحاسب الآخرين بأنهم لم يلتزموا بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، لكننا لا نستدل بها في أي مسألة، وليست من أصول الاستدلال المعروفة كالإجماع والقياس والعرف أو الروايات وهذا عجيب وهذا لم يعرقل التجديد كما أسلفت، بل عرقل الوصول إلى الهداية نفسها والتدين وأصبحت غير معروفة إلا بشيخ أو عالم.

فأول طريق لتعزيز الإيمان هو إيقاظ الإيمان الفطري أو البدهي أو التلقائي أو الإنساني على الإيمان التراثي المكتوب أو المدون لأنه الأسهل في الوصول إليه، والأضمن صوابا، والأقرب للوصول إلى القيمة الإنسانية، وهو ما سيحاسب عليه الشخص أكثر من التراث، فإذا وصلنا إليه وصلنا إلى التجديد وتغيير الخطاب ومواكبة العصر وغيرها من المطالبات العصرية، فيمكنني أن أقول إن الله تعبدنا بالفطرة وبهذه القيم أكثر مما تعبدنا بالروايات والقياس والإجماع وقول الصحابي، ولو كان هناك معتقد في أحدها فإني على يقين أنه موجود بدين الفطرة، وليس بهذه الأصول التي يستدل بها قديما أو بهذا الكم الهائل من التراث.