تقع مدينة المخا وميناؤها الشهير على ساحل البحر الأحمر إلى الغرب من مدينة تعز بمسافة تقدر بحوالي 94 كيلومتراً، وهو آخر ميناء من موانئ اليمن الشهيرة على ساحل البحر الأحمر من الجنوب قبل ميناء باب المندب الواقع إلى الجنوب من المخا بحوالى 75 كيلومتراً، وأقدمها من حيث الأهمية التاريخية، إذ إنه عُرف منذ عصور ما قبل الإسلام، فهو مذكور في النقوش الحميرية باسم (موزا)، واتخذه الجبائيون المعاصرون للحميريين ميناءً لهم، وورد ذكره في كتاب التطواف حول البحر الأحمر في حوالى سنة 80م على أنه كان ميناءً مزدحماً بالمراكب والبحارة والتجار، وأن أهله في شغل شاغل بالتجارة، ويحكمون بعض السواحل الإفريقية باسم المعافر في عهد الملك الحميري، المقيم -حينذاك- في ظفار. أما في العصور الإسلامية فقد عُرف ميناء المخا في عصر الولاة أي قبل ظهور الدويلات الإسلامية المستقلة باليمن عن جسم الخلافة العباسية، واستخدمه أمراء بني نجاح الأحباش حكام تهامة اليمن، وعاصمتهم مدينة زَبِيْد المشهورة في المدة من 412-555هـ ميناء لهم لنقل القوات المقاتلة من بني جلدتهم الأحباش إلى اليمن للاستعانة بهم في حروبهم المتواصلة مع خصومهم الصليحيين وعاصمتهم صنعاء (عمارة الحكمي، المفيد في تاريخ صنعاء وزبيد، ط3، ص83-160).

وفي مطلع العصور الحديثة تعرّضت المخا للغزو البرتغالي الذي مد نفوذه على جميع سواحل البحر العربي، وسواحل البحر الأحمر حتى جُدّة، فتصدى لهم المماليك، ثم العثمانيون من بعدهم، فأجلوهم عن اليمن، وسيطر الأتراك العثمانيون على جميع موانئ الساحل اليمني على البحر الأحمر، بما في ذلك المخا، ابتداءً من الغزو العثماني الأول لليمن عام 945هـ/1450م. ومن ثم اتخذها الأتراك مركزاً عسكرياً لهم لشن غاراتهم على الداخل اليمني من تلك الجهة. وبعد جلاء الأتراك عنها (الجلاء الأول) في عام 1049هـ أخذت المخا تستعيد حيويتها ونشاطها التجاري، وعادت الحياة إلي مينائها التاريخي الذي كان يستقبل السفن التجارية من الهند وأوروبا، وسكنها الأغنياء من يمنيين وهنود وخلافهم، ثم ما لبثت المخا أن تعرّضت قبيل الحرب العالمية الأولى وفي أثنائها للدمار والتخريب من قبل الأسطول الإيطالي خلال الحرب الإيطالية التركية، ثم الأسطول البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى. وبعد جلاء العثمانيين (الجلاء الأخير والنهائي) عنها، ثم الإنجليز بعد ذلك استعادت المخا حياتها العمرانية والتجارية، وجرت توسعة مينائها، وربطها بالطريق المسفلت بين تعز والحديدة، واضطلعت بدورها كميناء دولي يخدم محافظتي تعز وإب وما جاورهما، أو ما يسمى بإقليم الجَنَد تحديداً طبقاً للوثيقة اليمنية الأخيرة.

وكان ميناء المخا من أهم مراكز تصدير البن اليمني إلى أوروبا، وبلغ من شهرة هذا الميناء في تصدير هذه السلعة المحبّبة في زمانها في الغرب وحتى اليوم أنهم أطلقوا اسم (موكا Moka) على أفخم البن اليمني الذي كان يُصَدَّر إلى بلادهم عن طريق هذا الميناء المهم (إبراهيم المقحفي، معجم البلدان اليمنية، ج2، ص 1445-1446).

وقد رزئ ميناء المخا بما رزئ به غيره من الموانئ اليمنية الأخرى على ساحل البحر الأحمر، إذ احتلته قوات الحوثيين وصالح منذ مطلع نوفمبر 2014، وبقي منذئذ في قبضة أيديهم التي زادها استيلاؤهم على كم هائل من الأسلحة النوعية بعد سيطرتهم على اللواءين 35 مدرع في مفرق المخا، و17 مشاة في باب المندب القريب من المخا، وهو ما قوى من قبضتهم على المدينة ومينائها، وشكل عائقاً أمام القوات الشرعية وقوات التحالف أخَّرَ تحرير هذا الميناء المهم واسترداده بعد أن ظن كثير من المتابعين والمحللين العسكريين أن الأنظار ستتجه إلى ميناء المخا بعد النجاح الكبير الذي حققته عملية السهم الذهبي صيف العام الماضي بتحرير مدينة عدن من أيدي الحوثيين وصالح في أقل من أسبوع، إلا أن هذا النجاح أغرى المقاومة الشعبية والجيش الوطني مدعومين بقوات التحالف بقيادة المملكة بالزحف تجاه أبين ولحج فتم لهم تحرير تلك المناطق بما فيها قاعدة العَنَد الإستراتيجية. ويقرب من هذا النجاح نجاح آخر تم بغطاء جوي كثيف من طائرات الأباتشي التابعة لقوات التحالف مكن جيش الشرعية من السيطرة على باب المندب، واسترجاع معظم المواقع العسكرية في تلك المنطقة. وبتحرير باب المندب أصبحت مهمة تحرير ميناء المخا أيسر على جيش الشرعية وقوات التحالف من ذي قبل، بسبب القرب الجغرافي، والطبيعة السهلية للمنطقة، وقلة أنصار الحوثيين في ذلك الجزء من تهامة الذي يغلب على سكانه أنهم سنيون على المذهب الشافعي.

ويكتسب استرجاع ميناء المخا من قبضة المحتلين أهمية خاصة تتمثل في إرجاع الحياة الاقتصادية إلى إقليم الجَنَد (تعز وإب)، فضلاً عن أنه يمثل العمق الإستراتيجي لمدينة تعز المحاصرة منذ عدة أشهر، ونقدّر أن تحريره سيساعد على فك الحصار عن تلك المدينة المنكوبة، وسيسهِّل مرور التعزيزات العسكرية براً إلى تعز وما وراءها.