يُعَدَّ ميناء الصَّلِيْف ثالث ميناء من الموانئ اليمنية الحية على ساحل البحر الأحمر بعد اللحية وميدي، وهو واسطة العقد بين الموانئ اليمنية النشطة المطلة على هذا البحر، باعتبار أنه متوسط بين الميناءين المذكورين من الشمال، وميناء الحديدة والمخا من الجنوب. هو ميناء طبيعي يصفه القاضي الحجري في كتابه: معجم بلدان اليمن وقبائلها، (جـ2/ص 483) بأنه شبه جزيرة في تهامة مقابل جزيرة كمران المعروفة في البحر الأحمر، ويوصف أيضا بأنه على شكل لسان ممتد في داخل البحر، حيث يحيط به الماء من ثلاث جهات، وحوله في البحر عدد من الجزر الصغيرة غير المأهولة، منها جزيرة زبير، وجزيرة صابا، وجزيرة نتريك، وجزيرة خيكوك (إبراهيم المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، جـ1، ص917).

ويقع ميناء الصليف إلى الغرب من مدينة الزيديّة بحوالى 40 كيلومترا، وهو واجهتها البحرية، وجزء من مديريتها التابعة لمحافظة الحديدة، والزيدية مدينة حديثة النشأة تقع بالقرب من وادي سُرْدُد الشهير، وتنسب إلى قبيلة الزيدية إحدى فروع قبيلة عَكّ التهامية المعروفة، والممتدة على طول ساحل البحر، وإلى الشرق من الزيدية في وادي سُرْدُد المذكور آثار مدينة المَهْجَم التاريخية التي قُتل فيها الداعية علي بن محمد الصيلحي، مؤسس الدولة الصليحية في اليمن عام 459، وذلك على يد سعيد الأحول بن نجاح، أحد زعماء دولة بني نجاح المعاصرة لدولة بين الصيلحي، وعاصمة ملكهم زَبِيْد المعروفة (عمارة الحكمي، المفيد في أخبار صعناء وزبيد، ط3، ص105)، ويُعدّ وادي سُرْدُد الذي تقع عليه مدينة المهجم التاريخية، ومدينة الزيدية الحديثة من أهم أودية اليمن، وهو يستمد سيوله من جبال كَوْكَبَان والأهجر، وجبال حَرَاز، والمَحْوِيْت، وهو دائم الجريان، وعليه مشروعات زراعية كثيرة قيل لي في إحدى زياراتي العلمية لمدينة المهجم التاريخية، ومسجدها الأثري ذي المنارة المقصوصة إنها (والعهدة على الراوي) من أملاك الرئيس السابق علي صالح، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (رحمه الله).

وتشتهر كل ما على هذا الوادي من مدن الضَّحِيْ والزيدية وسواهما باتساع رقعتها الزراعية في تهامة، وكثرة محصولاتها، ومنها الذرة والدخن والسمسم والقطن والتنباك المعروف باسم الحمومي أو الحِمِّي. وفي أعلى الوادي تجود زراعة الموز والفاكهة والفل الذي يُصَدَّر الفائض منه إلى المملكة العربية السعودية.

ويمثّل ميناء الصليف الفرضة الرئيسية لما ذكر آنفا من المدن، وأيضا لجميع ما في شرقيّهِ من الاستيطان الحضري المنتشر بكثافة على ضفاف وادي سردد حتى منابعه في السروات الممتدة إلى الشمال الغربي من صنعاء العاصمة، وترجع شهرة هذه الميناء إلى وجود مناجم الملح الصخري فيه وحوله بكميات اقتصادية كبيرة تقدر احتياطياتها بحوالى 115 طن، يُنْتَج منها في العام حوالى 200 طن، يُشحن معظمه في ناقلات خاصة عن طريق مينائه المزود برصيف طوله 75 مترا وعرضه 25 مترا حتى يكون صالحا لرسو البواخر الكبيرة. ويتميز ميناء الصليف بعمق طبيعي في مياهه، وبمجاورته لعدد من الجزر والنتوءات الصخرية التي تجعل مياهه هادئة، وتحمي السفن الراسية فيه من أن تلعب بها الرياح والأمواج العاتية، كما هو حاصل في بعض موانئ البحر الأحمر (إبراهيم المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، جـ1، ص918).

وقد استهوت هذه الطبيعة الجبلية لميناء الصليف وما حوله الأديب والرحالة اللبناني المهجري أمين الريحاني الذي وصفها بقوله: "وصلنا الصليف المشهورة بملحها. وقد كانت قبل الحرب (الحرب العالمية الأولى) عامرة بشركة بريطانية منحتها الدولة امتيازا لاستخراج الملح من أرضها. إنها لقرية جميلة قائمة على طرف هلال من البر في البحر، والهلال ذيل ضلع (أي جبل)، يمتد شرقا إلى الزيدَّية في سفح جبال اليمن. خَطَر لي (والقول للريحاني) ونحن نجتاز هذا الجبل الضيق الطويل، هذا الضلع في الأرض، خاطر قد يهمّ البريطانيين والإمامين (الإمام يحيى والإمام الإدريسي) فيما يريدون من تحقيق الصلح. هاهنا الحدود الطبيعية في تهامة بين اليمن وعسير، بين إمام صنعاء وإمام جازان، فتكون الزيدية وما دونها جنوبا للزيود، وتكون الصليف وما دونها شمالا للأدراسة، والجبل فاصل بين الاثنين". (أمين الريحاني، ملوك العرب، جـ1، ص373-074). ومعلوم أن أمين الريحاني زار كل ملوك العرب في الجزيرة العربية، وكان يحمل مشروعا تصالحيا ووحدويا بينهم، ولكنه لم ينجح بسبب تعنت بعضهم (رحمهم الله جميعا).

وليس لميناء الصليف من الأهمية ما لميناء الحديدة الواقع إلى الجنوب منه، إلا أنه في حالة الاستيلاء عليه وتحريره يمكن أن يفتح الطريق البري الممتد إلى سهول وادي سُرْدُد في تهامة، وإلى امتدادها الجبلي وصولا إلى كوكبان، إحدى عواصم الأئمة الزيدية في القرن العاشر الهجري، وأيضا إلى محافظة المحويت المعروفة بخصوبة أرضها وكثرة مياهها، وهما غير بعيدتين كثيرا عن صنعاء العاصمة.