عام 2010 مرت الولايات المتحدة بأسوأ أزمة مالية، بعدما تهاوت سوق الأسهم والسندات والعقارات، وكذلك أوروبا أيرلندا وإسبانيا واليونان والبرتغال شهدت أزمات اقتصادية مماثلة، فوقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب هذه الدول اقتصاديا.
وفي مثل هذه الحالات يكون من بين حزمة الحلول التي تتبناها الدول أن تقتطع من مبلغ الدعم الذي تسهم به في تخفيض أسعار كثير من منتجاتها وخدماتها التي تقدمها للمواطن، وأيضا من قيمة رسوم وضرائب تفرضها على بعض الخدمات، مما يساعدها على المرور من ضائقتها، وهي أمور يستشعرها المواطنون حول العالم، تماما كما يستشعرون أن دولتهم ينبغي أن تبقى واقفة على قدميها، وألا ينهار اقتصادها، فهذا يدفع بهم جميعا نحو المجهول.
وإنني من واقع القرب من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على مدار سنوات عمل طوال، لمست فيها مدى حرصه، حفظه الله، على منافع الناس، ومدى تفانيه في تحقيق أعلى مستوى من الرعاية والرفاهية لبني وطنه.
أدرك تماما أنه -حفظه الله- لم يتخذ حزمة القرارات الأخيرة إلا وهو يتألم لشعبه، ولا يساورني أدنى شك في أن الأمور ستعود إلى نصابها، ما إن تمر سفينة الوطن بأمان من هذا الظرف العابر.
في المقابل، فإن شعبنا ليس أقل وعيا ولا انتماء ولا خوفا على اقتصاد وطنه من غيره من شعوب العالم، لا سيما أننا نعيش في وطن يغمرنا بسخائه، ويرفع رؤوسنا ويعلي من قدرنا، بعميم خيره علينا بين شعوب العالم.
فلله الحمد والمنة، ما زال اقتصادنا أحد أقوى اقتصادات العالم، وما زالت مملكتنا إحدى الدول العشرين الكبار، وما زالت أسعار المحروقات لدينا أقل منها في دول العالم، بل وفي دول في المنطقة ترتفع أسعار المحروقات فيها مرة ومرتين في العام، وقبل هذا وبعده نحن والحمد لله في نعمة، وإن أثر هذا على بعضنا بعض الشيء، فهذا أمر مرهون بظرف استثنائي، ففي عام واحد انخفضت أسعار البترول العالمية على نحو غير مسبوق قياسا إلى أعلى نقطة كان قد وصل إليها قبل الانهيار الكبير الذي شهدته سوق النفط العالمية.
أيضا، خضنا في العام نفسه حربا باهظة الثمن على الجبهة اليمنية، ونعلم جميعا، سواء منا من يعترف بهذا أو ينكره لهوى في نفسه، أن هذه الحرب فرضت نفسها علينا، أمام اقتراب دولة الملالي من تطويق بلادنا من الحد الجنوبي، خلال محاولة الاستيلاء على الشقيقة الجارة اليمن، وتحويلها إلى ترسانة عسكرية، عدوة تربطنا بها حدود واحدة، تمهيدا للمعركة الكبرى في مكة التي غرس ملالي إيران الإيمان بها في قلوب الحوثيين، كبارا وصغارا، الأجيال التي أرضعت كره بلادنا، وتربت على عقيدة أن غزو بلادنا أهم من تحرير المسجد الأقصى، فما الخيار الذي كان أمام بلادنا والحال تلك، هل ننتظر حتى يأتي اليوم الكابوس الذي يتحقق فيه هذا الهوس الذي تبثه إيران داخل من تشتري ولاءهم حولنا؟ هل كان علينا أن نقف موقف المتفرج وإيران تهيمن على اليمن وتبني على أرضها جيشها الذي ستحاربنا به في المستقبل؟
إنني إذ أقول هذا، لا أتحدث رجما بالغيب، بل أعيد طرح ما تحدث به قياديون إيرانيون في محافل عدة، مما يعني أنني هنا لا أتبنى هواجس وظنونا، بل أتحدث بحقائق يعلنها القريبون من دوائر صنع القرار الإيراني، بل صناع هذا القرار، ولا أود أن أكرر نفسي بإعادة طرح ما سبق أن طرحته من تصريحات كبار الشخصيات وكبار المسؤولين في إيران، عن أطماع طهران الكبرى في تحويل العواصم العربية إلى أذرع لها في المنطقة، فبوسع من شاء الرجوع إليها في أرشيف مقالاتي السابقة. أما عقيدة غزو المملكة التي يؤمن به الحوثيون صغارا وكبارا، فبوسعكم الرجوع إليها في كثير من مراجعهم ومؤلفاتهم، قديمها وحديثها.
لقد آثرت أن أركز على هذا السبب تحديدا على أسباب عجز الموازنة، حتى أقطع الطريق تماما على كل مرجف يسعى إلى القول: ولماذا خضنا الحرب في اليمن من الأساس؟.
فلهذا وأمثاله ولإخوتنا المواطنين نقول، إن الحرب في اليمن لم تكن خيارا، ولم يكن منها بد، ولذا فأي عواقب أو آثار تنتج عنها من عجز في الموازنة، أو إجراءات لتغطية هذا العجز، آثار علينا جميعا أن نتفهمها، ومعركة ينبغي أن نخوضها مع بلادنا، من أجل أن تبقى أبية عصية على كل من يظن أنه قادر على تطويقها أو الإضرار بأمنها ووجودها أدامه الله.
وإن كان قد تم رفع هامش زهيد من الدعم عن هذه الخدمة أو تلك، فلا ينبغي أن ننسى أن هناك من فقدوا أرواحهم، وقدموا دماءهم من أجل وطنهم، محتسبين في سبيل الله، وما أعرفه عن شعبنا الكريم أنه مستعد لأن يجوع ولا تُمس بلاده، ولا تُمس كرامته، ولا يُمس مستقبل أجياله، ولا يُمس علمه الخفاق الذي يحمل الشهادتين، ولا تُمس مقدسات الأمة التي ائتمنته عليها.
وفي وقت أتمنى فيه أن تحث بلادنا الخطى نحو تنويع مصادر دخلنا، حتى لا نبقى مرهونين بهزات البترول العالمية، وأن يكون لدينا من البدائل والاستثمارات الاقتصادية في الداخل والخارج ما نركن إليه في مثل هذه الأزمات، وأُطمئِن إخوتنا المواطنين أن هذا كله مؤقت وعابر، فبلادهم التي لم تزل قوية، وما تم من إجراءات فهو من أجل المستقبل، وأيضا من أجل أن يبقى الموقف المالي لبلادهم قويا، ولا أظن أن أحدا من السعوديين يريد لبلاده أقل من ذلك، فدولتنا ستبقى بحول الله قوية، وستبقى بإذن الله قادرة على الالتزام بمسؤولياتها تجاه أمتها، وليست بلادنا التي تجزع أو تتراجع عن أهدافها الكبيرة، ودورها المحوري في المنطقة، أو تتخلى عن أماناتها تجاه أمتها الإسلامية من أجل أزمة مالية عابرة. وأؤكد أنها عابرة، لأن ثقتي بالله ثم بقدرة ولاة أمرنا على إدارة دفة هذا الوطن بحكمة.