هناك بعض الروائيين يستجمعون كل مكامن العطاء والقوة في خلق جملة متفردة، وإنعاش الروح في الرواية، وجعلها جسرا يعبر القارئ من خلاله إلى تفاصيل التفاصيل الدقيقة في أزقته وشوارعه الحاضرة في عمله.

الروائي السوداني "أمير تاج السر" مثلا، من الروائيين الذين يبضعون بمشرط الطبيب في جسد الرواية .. يشرحها بإتقان .. يقسم تفاصيلها.. يوظف كل جهاز في عملياته، يعطيها المسافة الكافية لتعبر القارات الثلاث، ثم تعود لقارته لتجعل مما بين غلافيها يحتضن هم الإنسان العربي.. يسير مع الجائع الحافي حتى يلوذ برغيف يسكت شغب ملامحه.

أمير تاج السر من ذات الشجرة التي ينحدر منها الكبير / الطيب صالح، وليس قريبه في شجرة العائلة فحسب، بل أيضا في شجرة الإبداع والتميز.

عزمه وإصراره على صعود أعلى درجات التميز يجعله يرهن ساعته لطبع أولى رواياته.. فعل هذا حتى لا ترتهن حياته خلف حوائط التغييب، وبين أكوام البشر العابرين على جسر الهامشية والعادية...

تراكض أحداث الحياة، تغيبه فترة وجيزة، ثم تزفه إلينا مجددا على غيمات متتابعة.. لا تكاد تمر غيمة، وتروي جدب عواطفنا إلا وتليها أخرى، حتى امتلأت المكتبات ودور العرض بغيماته. منها ما ترجم إلى الفرنسية والإنجليزية والإيطالية.. وبهذا الركض في مضمار النجاح نعلم يقينا أن ابن شمال السودان استطاع منذ وقت مبكر أن يثبت نجاحه، سواء كان شاعرا أو روائيا أو طبيبا، ليس من خلال التسلق على أشجار الواسطة والوهم، بل من خلال كفاحه في الحصول على الحرف المؤثر في بناء مجده، ومن خلال سعيه في مناكب الأرض باحثا عن طريق متفردة تتسع لخطاه الواثقة التي عزم أن يبدأها في عالم الأدب.. ملأ سماء ا?بداع بلون ياقوته، ثم أتى بمهره الصياح ? ليكون نهاية شهرته، بل قرر بعده نثر حروف عطره الفرنسي في جنائن عشاق قلمه.. وهكذا لا نكاد نقطف وردة ونضعها في مزهرية أمير تاج السر إلا ويزرع أخرى لا تنتظر كثيرا حتى تقطف هي الأخرى.. أتحفنا بتشكيلة من أعماله التي أضافت للمكتبة في الوطن العربي بل في العالم.

روايات أمير تاج السر تستنطق الكثير من التفاصيل الدقيقة في الشارع السوداني على الخصوص والعربي على العموم، وما أكثر تلك التفاصيل التي تحتاج إلى تعرية ومعالجة من خلال قلم واع كقلم الدكتور أمير.