تقع الأولى منها، وهي مدينة مأرب التاريخية، إلى الشمال الشرقي من صنعاء بحوالى 170 كيلو مترًا، وهي عاصمة لمحافظة تسمى باسمها: محافظة مأرب، وكانت فيما مضى عاصمة لمملكة سبأ في حدود المئة الثامنة قبل الميلاد، وضاعف من أهميتها وشهرتها وقوعها على طريق القوافل التجارية التي تنقل بضائع الشرق إلى الشام ومصر وما وراءهما إلى مختلف دول البحر الأبيض المتوسط. وفيها السد العظيم المعروف باسم: سد مأرب الذي ساعد على شهرتها الزراعية، وجعل منها أرضاً طيبة كثيرة الخيرات والنماء، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور". إلا أن هذا الخير العميم، والرفاه الاقتصادي لم يدم لأهلها طويلاً بتقدير من الله العزيز العليم، وذلك بسبب خراب سد مأرب في حدود القرن الثاني للميلاد، وهو ما كان سببًا في هجرة الأزد، وانتشارهم في البلاد، كما تذكر معظم الروايات التاريخية. وقد أعيد بناء سد مأرب أخيراً بالقرب من آثار السد القديم، وهو سد ضخم تصل قدرته الاستيعابية إلى 400 مليون متر مكعب من الماء، ويُعَدّ من الإنجازات الضخمة التي أحدثت نهضة زراعية كبيرة أعادت إلى المحافظة جنانها الخضراء المتمثلة في منتجاتها الزراعية من القمح والحبوب، ومختلف أصناف الفواكه والخضروات.
وتقوم مدينة مأرب الحالية بالقرب من المدينة القديمة، وهي مدينة عصرية فيها مختلف المرافق التي تحتاج إليها كل مدينة عصرية، وتشهد نهضة اقتصادية وزراعية، فضلاً عن ازدياد أهميتها بسبب اكتشاف النفط في أرضها، وفيها مصفاة لتكرير النفط، وخطوط أنابيب تأخذ نفط مأرب إلى رأس عيسى على ساحل البحر الأحمر بطول يصل إلى 432 كيلو متراً ليلقى طريقه إلى التصدير. ومن أشهر قبائل مأرب قبيلة (عَبِيْدَة) على وزن عبيدة قحطان السراة حتى إنني ظننت في أثناء زيارتي لمأرب، والتقائي ببعضهم أنهم امتداد لقحطان سراة عبيدة لولا أنني علمت أنهم ينحدرون من قبيلة مراد المشهورة، وهي قبيلة قحطانية في جذورها البعيدة. ومن قبائل مأرب أيضاً قبيلة آل الذَّوي من بكيل، وبعض فخوذ قبائل خولان العالية، ثم قبيلة الأشراف الحمزيين نسبة إلى الإمام عبدالله بن حمزة المتوفى في سنة 614هـ.
وتحتفظ مدينة مأرب التاريخية بمخزون تاريخي وآثاري مهم نذكر منه: سد مأرب التاريخي سابق الذكر، ومعبد أَوَام أو محرم بلقيس، وهو معبد له سور بيضاوي الشكل يتقدمه فناء ظاهر بأعمدته الثمانية الشاخصة، ومعبد برّأن بأعمدته الستة الشاخصة أيضاً، أوما يعرف بعرش بلقيس، ويلي معبد أَوَام في الأهمية، بالإضافة إلى عدد من النصوص السبئية المنقوشة على الصخور في محيط هذه المعابد وخارجها، وجميعها على جانب كبير من الأهمية.
أما صُرْوَاح فتقع إلى الغرب من مدينة مأرب بحوالى 40 كيلو مترًا، وتمثل الحد الشرقي لخولان العالية حتى إنه يطلق عليها صرواح خولان تمييزاً لها عن غيرها من المدن التي تحمل هذا الاسم، ومنها: صُرْوَاح أرْحَب، وصُرْوَاح بني بَهْلُوْل وغيرهما. وهي عاصمة لأكبر مديرية من مديريات محافظة مأرب، ويتبعها عدد كبير من المدن والقرى الآهلة بالسكان. وقد أخذت مدينة صُرْوَاح بمختلف وسائل المدنية الحديثة، وأقيمت في ضواحيها العديد من المزارع المنتجة لمختلف أصناف الحبوب والخضروات والفواكه بأنواعها. وتعد صُرْوَاح من المدن اليمنية القديمة، فقد كانت عاصمة لمملكة سبأ قبل مأرب، وفيها من الآثار ما لا يقل أهمية عن آثار مدينة مأرب القديمة، نذكر من آثارها موقع البناء، وموقع الخريبة، وموقع القصر، وجميعها على خط واحد في وسط منخفض كبير تحيطه الجبال، ويتميز موقع القصر بأن فيه معبد الإله المُقَة الذي لا تزال أعمدته قائمة حتى الآن، وعددها ستة أعمدة يتراوح طولها ما بين 7 إلى 8 أمتار. وفي داخل هذا المعبد جرى اكتشاف النقش السبئي المعروف باسم نقش النصر، وهو من المصادر المهمة المعول عليها في كتابة التاريخ السبئي.
وقد كانت محافظة مأرب من أولى المحافظات التي زحفت إليها جحافل الحوثيين ومن لف لفهم للاستيلاء عليها، ربما لقربها من صنعاء، وامتدادها القبلي، وخصوصاً قبائل خولان العالية التي تنتشر من شرقي صنعاء إلى مأرب، والأهم من ذلك كله منابع النفط التي يعتمد عليها أهل صنعاء، والباقي يُصدر إلى الخارج. وبمثل ما كانت محافظة مأرب من أوائل المحافظات التي سقطت في أيدي الحوثيين في شمال اليمن وشرقه؛ كانت أولى المحافظات التي حررها الجيش الوطني بدعم كبير من قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
تجدر الملاحظة إلى أن آثار مأرب التي خشينا أن يلحق بها ما لحق بآثار العراق من التدمير، كانت إلى حد ما بمنأى عن التدمير طبقًا لما رُوِىَ لي، باستثناء أضرار يسيرة لحقت الصَّدَف الأيسر (أي الشمالي) لسد مأرب التاريخي، وبعض آثار طلقات البنادق التي شوّهت واجهات بعض الآثار المتفرقة في مأرب وصرواح.
وعلى الرغم من أن الآثار ليست أغلى من الأرواح البريئة التي أزهقت في هذه الحرب التي يتحمل مسببوها ومشعلوها كامل أوزارها؛ فإن الآثار تراث إنساني لا يقدر بثمن، ولا ينبغي له أن يكون عرضة للدمار والتخريب والانتهاك أثناء الحروب مهما كانت أسبابها ودوافعها.