التاريخ محطات مليئة باللقطات الفاصلة التي تخلق امتدادا بين جيلين، وتؤطر جهود حقب زمنية تستحق أن توثق؛ لتكون يوما شاهدا على كينونة هذا التاريخ وانتشاره من دائرة المناطقية إلى دائرة أكثر منها اتساعا، ثم إلى العالمية.. بعدها يحضر في المناهج والرسائل العلمية، ويحضر أين وجدت له نافذة.

تاريخ عسير والمناطق والمحافظات المحيطة بها مليء باللقطات الموثقة فوتوجرافيا، إذ سخر لها الأستاذ أحمد نيازي جهدا ووقتا ومساحة كبيرة من أيامه، ليجمعها ويحتفظ بها؛ كي تكون جزءا مهما يوثق هذا التاريخ. فتوثيقه الصور بمعرض مرئي لا يقل أهمية عن التوثيق المقروء.

معرض "شوفة" هو المعرض التاريخي المرئي الأول في منطقة عسير، كانت نسخته الأولى في صيف 1434 بمباركة من إمارة منطقة عسير.

هذا المعرض كان بجهد فردي من صاحبه "نيازي".. قام بجمع الصور القديمة من أرشيفه وأرشيف كبار المنطقة، ووضعها في معرض فخم يليق بهذا التاريخ العريق. زائر المعرض تعود به اللقطات إلى أكثر من 148 سنة بصور لقصور "آل عايض" في "ريدة التاريخ" وفي نفس التاريخ حي "مناظر" وأقدم مدرسة بنات فتحت عام 1378 في أبها.

جهد الأستاذ أحمد يستحق ا?شادة والالتفات إليه. فحين يكون تاريخنا في ذاكرة مرئية تتعاقب على أبصارنا، وتتناقلها وسائل الإعلام لتصل إلى متناول الأجيال المقبلة، فهذا إنجاز رائع يحسب لصاحب هذا العمل الجميل، وعلينا كلنا مساندته والحفاظ على هذا التاريخ من خلال نقله بصورة واضحة، والترويج له، ودعم المعرض بالصور النادرة والمهمة التي تسهم في اتساعه وانتشاره.

معرض "شوفة" المرئي أسهم في نسخته الأولى في مساندة السياحة بمنطقة عسير، إذ كان جزءا مهما منها؛ مستقطبا عددا كبيرا جدا من السياح والزوار أثناء فترة عرضه في قرية "المفتاحة" السياحية، ويستعد ا?ن ليكون معلما سياحيا بحلة جديدة بافتتاحه؛ ليوافق بدء مهرجان السياحة في المنطقة، وأتوقع له نجاحا مضاعفا، بعد ما حققه في صيف 1434، لسبب بسيط وهو أن "نيازي" مخلص لتاريخ منطقته، ناشط يبحث عن المميز والقيم والنادر لعرضه.

تاريخ الإنسان هو هويته، وهو وثيقة ارتباطه بالأرض، وانتماؤه إلى ترابها ومائها وسمائها، وكلما اقترب من ذلك التاريخ وتحيز له، فلن ينسى أرضه وقيمه وعاداته وتقاليده. بعكس أولئك الذين نزع تاريخهم وطمس وفقد مع شدة وتسارع المد الحضاري، فهم لا يشعرون بالأمان ولا ا?نتماء إلى هوية محددة، ولا بالثبات على أرض صلبة تجذب جذورهم إليها.

نيازي والعاملون على حفظ التاريخ يقتنون وثائق من ذهب، فهنيئا للوطن بهم أبناء بررة، وهنيئا لهم اقترابهم من الأرض.