ليست علوة كما نحن اليوم تنام ملء جفونها نهارا سرمديا باردا أمام جهاز تكييف، وتصحو قبيل العصر، لتبدأ رحلتها المطبخية التصنيفية التي تنتهي بألوان وأشكال لأصناف أطعمة من كل القارات، محاطة بكل الأجهزة والمعدات الكهربائية الحديثة، وبجانبها مساعدة أو أكثر توكل إليهن عبء التنظيف وغسل الصحون وترتيب المنزل.

تنتهي وقت أذان المغرب.. تجلس إلى المائدة.. تملأ معدتها، ثم تبدأ رحلة البحث عما تحشو به وقت سمرها من مشاهدة التلفاز أو التجوال بين منازل الأقارب والأسواق، وهكذا حتى وقت السحور، لتعود إلى تعبئة المعدة ثم الخلود إلى النوم.

"علوة" تفيق قبل أن تضيء نجمة الصبح، تعد ما تيسر من الطعام الذي لا يتجاوز صنفا واحدا.. تدعو أسرتها إلى السحور، وتتابعهم بحنان ورفق، ثم تذهب إلى مصلاتها وتبدأ عملها المنزلي اليدوي المحتاج جهدا مضاعفا وإنجازا سريعا، قبل أن تلقي الشمس خيوطها، لتنتقل إلى مكان آخر للعمل خارج المنزل.. إما "تبره" "تحمي" أو "تدوس" أو "تستقي"

أو "تلقى" السوق إن كان عائلها غائبا أو متوفى.

بعد يوم شاق تقيل قليلا.. تكمل عملها.. ترتب منزلها.. "تحوق عراصه" و"تنفض فرايقه" وتسقي مزهريات الريحان والبرك والشيح، ومن ثم تنتقل إلى "عريشها" ذي الأدوات البسيطة، تعد وجبة إفطار أسرتها "تلهب في الميفا".. تخبز وتعد إما شوربة أو مقلقل اللحم، إضافة إلى المهلبية التي كانت الوجبة الفاخرة الوحيدة على سفرة رمضان في زمن علوة.

بعد الإفطار، تبخر منزلها وتستعد للسمرة التي تجمع أهل القرية رجالا ونساء والتي لا تطول كثيرا، تقتصر على ثلاث ساعات وربما أقل، تتخللها "الحنادي" و"رواية سير الأجداد والجدات وبعض الألعاب الشعبية الخفيفة"، ثم ينفض السامر للنوم ليوم آخر مليء بالعمل والهمة والنشاط.

يوميات "علوة" الرمضانية كانت حافلة بالحب والعطاء والبذل وا?قتراب من ا?خر حد ا?خوة وأكثر حد التضحية والفداء بالروح والممتلك.

كان رمضان "علوة" خاليا من الصدود والهجر والبغض والشحناء والصراع.

ما كان هناك سوى مسجد واحد والناس أكثر تقى واقترابا من الله.

ينتظرون صوت المدفع، يصيح الأطفال بصوت واحد "دفّع.. دفّع يا صيام".

لم تكن فوضى مكبرات الصوت تربك سكينة رمضان، وتقتل روحانيته كما هي ا?ن.

"علوة" عاشت رمضانيات مبهجة حد الفتنة رغم قلة ذات اليد وبدائية الحياة وتواضع الزمن، تنام ليلها هانئا لا فتن ولا مصائب.

لا فرقة بين الناس إلا من يخذل رفيقه، وينشق عن جماعته وأهله فهو غير صالح للحياة معهم.

نفتقد رمضان "علوة" ونحن نعيش رمضانيات ملونة الترف باهتة الطعم واللذة.