نعلم أن شجر الطلح نبات بري ملتف متشابك الأغصان، يعتمد على مكونات بيئته في النمو، يرتوي بالمطر، ويعيش في جماعات متقاربة متآلفة تستمد قوتها من بعضها بعضا، ولا يعتمد على الإنسان في نموه وتكوينه.

أهل قرى "امطلحة" في منطقة عسير يشبهون هذا الشجر، يعتمدون على ذواتهم في تكوين أنفسهم، وبناء قريتهم اجتماعيا وفكريا وحضاريا، ولا يعتمدون على المؤسسات الحكومية، ولا على رجال الأعمال.

هذا ما أثبتوه خلال برامجهم المختلفة التي بدأت منذ أكثر من خمس سنوات. نشأت بجهودهم الفردية، وبهمة شبابهم وتعاون كبار القرية، واستجابة كل أفراد القرية لدعم المشروع وا?سهام في إنجاحه.

بدأت فكرة الشباب بسيطة. نفذت عام 1429 والعام الذي يليه، أضيف إلى الفكرة فكرة أخرى، والعام الثالث فكرة ثالثة ، حتى أكملوا سلسلة برامج متنوعة وقوية تخدم كافة أبناء القرية بجميع فئاتهم العمرية، وتحفز على التعاون والتقارب في زمن تبدل فيه العمل الجماعي ليصبح فرديا منزويا عن الناس، يتمه الشخص في صمت ثم ينجح أو يخفق في صمت، لا أحد يشاركه النجاح أو الفشل.

أما "عوال اموطن" فهم يد واحدة، عملوا من أجل بناء وطنهم، وإنجاح برامجه، ويكفي دلالة هذا المسمى على أنهم عصبة واحدة شكلتهم قيم القرية "الوطن" وغرست في نفوسهم الإيثار وحب الخير للجميع، لذلك تجد في برامجهم تكريما لكبار السن، وتكريما للمتفوقين والحاصلين على درجات علمية عالية، ومسابقات ترفيهية للجميع.

والجميل في برنامجهم وعيهم بحق المرأة، وجعلها شريكا لهم في إنجاح البرامج من خلال مساهمتها فيها، وتكريمها والتخطيط ليكون لها برامج مستقلة لا تقل أهمية عن البرامج الحالية.

هؤلاء الشباب وهذا الوطن أثبتوا بالفعل أن العمل الجماعي الذي لا ينتظر أحدهم من ورائه مصلحة أو منصبا، هو الدائم المستمر العطاء الذي يورث الحب والألفة بينهم، ويبقي الأجيال المتتالية على اتصال بمعنى الحب الحقيقي والتعاون الذي جمع آباءهم، وناضلوا من أجل الحفاظ عليه،  على الرغم من المعوقات التي نلحظها في زمننا الراهن، وأهمها بُعد الناس عن بعضهم والنفور بدل الاقتراب.

قرى "الطلحة" وشبابها مثال مشرف يستحقون به أن يكرموا ونفخر بهم وبأعمالهم المبهرة، ولعل من يزورهم ويتابع أعمالهم يجد مشاريع لم تتسع السطور لسردها ولم تصورها كما هي جميلة في الواقع.

ليت "عوال" كل القرى وا?وطان يقلدون "عوال قرى الطلحة" ويخرجون لنا أعمالا مدنية اجتماعية لا تخضع لمظلات حكومية ولا رقابية.