يشاء العلي القدير أن يخضع السعوديون جميعا للاختبارات في وقت واحد من هذا الموسم الدراسي، الآباء والأبناء معا، الأبناء في اختبارات الدراسة، والآباء في اختبار المواطنة، وهو الاختبار الأهم في تقديري، والذي لا يُتصور أن تقوم لوطن قائمة من دونه، اختبار المواطنة الإجباري الصعب الذي تتعدد صيغه وتتفاوت مستويات صعوبته، اختبار المواطنة الذي ينبغي أن نعترف بأننا جميعا ترددنا في الإجابة عنه طويلا، وينبغي أن نعترف أيضا بأن بعضنا أجاب الإجابة الخطأ، لكن الظرف الذي نمر به اليوم جميعا، والتحدي الذي نواجهه، وهذه المخاطر التي تتخطف الناس من حولنا بعد أن كانوا آمنين في أوطانهم مثلنا تماما، قبل أن يرسبوا جميعا في الإجابة عن سؤال المواطنة، وصلت بهم إلى هذا المآل.. ويبقى السؤال:
هل أنت شيعي أم سني؟ فلان شيعي أم سني؟.. الإجابة النموذجية في هذه الحالة: أنا سعودي، وهو سعودي؟ وأي شيء آخر لا يعنيني، ولا ينبغي أن أَسأل عنه، أو أجيب إذا سئلت عنه.
وقد يأتي السؤال على مستوى أعلى من الصعوبة: أجب بنعم أو لا، مع ذكر السبب: فرحت أو حزنت أم لم تهتم بالاعتداء على مساجد المواطنين الشيعة في المنطقة الشرقية؟ وعلينا أن نعترف بأن بعض غريبي الأطوار منا من المتعاطفين مع هذه الكائنات المريضة التي تجاهد في إخوان لهم مسلمين موحدين مواطنين شرفاء، لم يحزنوا لهذا الخطب ولم ينل منهم، لأنهم تربوا على إقصاء الآخر إلى حد قتله، والغريب أن هؤلاء المصابين بالفصام يعيشون في منزل واحد مع عاملة المنزل المسيحية، بل اللادينية ويأكلون من طهي يديها، إن لم يكن في المنزل ففي المطاعم التي يقوم على إعداد الطعام فيها أناس من جميع الديانات والملل، وربما تربطه بكثير منهم علاقات طيبة في مواقع الخدمة والمحال أو العمل، ثم تجده يناصب أخاه وشريكه في الوطن المسلم العداء لأسباب لم نسمع عنها إلا حديثا بعدما قرر ملالي إيران اتخاذ المذاهب ستارا يديرون من ورائه حربا عرقية بغيضة، انسقنا وراءها جميعا سنة وشيعة، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، لكنني أحسب أن الجميع قد أفاق على صوت تفجيرات الشرقية التي أيقظت الجميع، وعلمتهم كيف يجيبون عن الأسئلة الصعبة حول هويتهم بثقة ومن دون ارتباك أو تردد..
الإجابة الصحيحة يا إخوتي هي: نعم.. تألمنا وحزنا، وأيضا أصابنا الفزع جميعا، لأن من قتلوا إخوة لنا مسلمون مواطنون شرفاء شركاء في هذا الوطن الذي يواجه استهدافا واسعا من حكومات وجماعات لا تميز بين سني وشيعي، وإلا فما أكثر من سقطوا من رجال الأمن على أيديهم، فالإرهاب لا دين له، الإرهاب غير معني بمذهب معين، الإرهاب ليس جديدا علينا فلقد اكتوينا بناره على مدار ما يربو على عشر سنوات، مع مد القاعدة الذي استأصلت داخلتنا شأفته في أرضنا، والآن عاد بوجه جديد أشد قبحا، وجه داعشي متعطش للدماء، ليدير المعركة بنفس جديد، نفس طائفي بغيض، لكن السعوديين اليوم أكثر وعياً، لأن الدروس التي حولهم بالغة القسوة، فما نال إخوتنا في العرق وسورية على أيدي هذه العصابات الإجرامية وهذه العناصر المأجورة التي ما من شك في علاقتها المباشرة بكثير من أجهزة المخابرات المعادية في المنطقة، علَّمنا جميعا كيف نجيب بمهارة ومسؤولية عن السؤال الذي لم يعد صعبا بعد هذه الدروس البليغة التي تلقيناها جميعا، سؤال المواطنة.. يا إخوتي نحن جميعا سعوديون، هذا هو الاعتبار الذي ينبغي أن يكون، وليس أي اعتبار آخر، وهذا فقط السبيل حتى لا نكون عراقاً آخر. نلتقي على خير بعد شهر رمضان المبارك، لا تنسوا الأمة من صالح دعائكم.. كل عام وأنت بخير.. اللهم بلغنا رمضان.