رغم مرور قرابة أسبوعين على تفجير مسجد علي بن أبي طالب في "القديح"، إلا أن "حيدر" أصغر ضحايا التفجير لا يغيب عنا.. يقف لذاكرتا بالمرصاد، يستنطق كل حواسنا ويستنهض عقولنا للتفكير فيه.. أنا لست أما، لكنني شعرت أنه ابني، وكأنه يتشبث بأطرافه الناعمة في تفاصيل يومي.. يروح ويجيء، وكأنما يلومني ويلوم الشعراء والكتاب وخطباء المساجد.. يلوم برودنا في وجه الموت.. يلوم تخاذل أقلامنا عن نعيه ورفاقه الذين رافقوه إلى دار الخلود.

حيدر.. كأن عينيه تقولان: اكتبوا..أنكروا.. أشهروا أقلامكم في وجه الطائفية.. لا تجعلوها تحصد أقراني.. حسبهم أمي.. يكفيكم هي لتعيش ثكلى الأمهات.. لا يحسن التصبر كأني أراها تتفقد مرقدي، تتحسس أشيائي.. تجدها؛ تنظر إلى مكاني على مائدة الطعام. تنادي إخوتي باسمي، ثم تتذكر أنني فارقت الحياة عندما ذهبت لأتعلم كيفية الصلاة.. ولتعلم أنني سألتقيها في الجنة بإذن الله.

أيها الطائفي، ألا تعلم أنك غادرت معي في اللحظة ذاتها؟ لكن أين ستذهب وأنت حصدت أرواحا بريئة لا ذنب لها إلا أنها تتجه إلى القبلة تتبتل إلى الله بأعظم عهد بين العبد وربه.. لا ذنب لأبي الذي رافقني ليودعني بين الجنادل.

لا ذنب له كي يدفع ثمن حقدكم ويعود إلى المنزل وليس قابضا على كفي بكفه.. لا ذنب له حتى لا أرافقه وأقف إلى جانبه أقلد حركاته في الصلاة.

كأن حيدر يقول لي: غادرت وأنا أحمل بياض القلب ونقاء الروح، لا أعلم ما التشيع ولا التسنن، أعرف أني إنسان، أمي إنسان، أبي إنسان.. لذلك مت وأنا إنسان. وأظن الإنسانية تأتي في المرتبة الأولى قبل المذاهب، لأن الإنسان خلق أولا ثم أنزلت أديانه ومذاهبه.

أعلم أيتها الحزينة عليّ أنك ستحزني على الكثير من بعدي، ما دام هناك من يقف ليقسم الناس إلى فرق ومذاهب. ما دام هناك من يربي الأجيال على كره الأديان والمذاهب، ولا يؤمن بالاختلاف الذي فطره الله وحكم به على خلقه. أعلم أن هناك أناسا يقفون على منابر الجمعة يتضرعون إلى الله أن يخلصهم منا..

أتخيل حيدر يقول:

أفيقوا قبل أن تتسع الرقعة، ويتمزق الوطن، وتحصد مئات الأرواح الطاهرة البريئة بلا ذنب.. فقط لأن المذهب مختلف! وهكذا يريد أرباب الفكر الضال والمنحرف أن يجتثوا المختلفين عنهم من الأرض، وفي الوقت ذاته يجعلون منا قرابين يدخلون بها الجنة..

العدل السماوي لا يرتضي هذا الظلم في الأرض.. أرجوكم كونوا معا ضد الطائفية.. من أجل أمي وأمهاتكم.. من أجل الحب وبقاء الإنسانية.