قبل أيام كان الاكتئاب سيد الموقف في المشهد السياسي العربي، أقصد أوساط الكتاب والمحللين والمثقفين، في ظل ضبابية مشهد فرضت هذه العصابات المسلحة الآتية من جحور صعدة عليه حالة من الفوضى.
لم يكن أسوأ المتشائمين يوماً يُخيَّل إليه أن تدخل هذه الجرذان القصر الرئاسي في صنعاء، وتحتجز الرئيس قيد الإقامة الجبرية، ثم اكتمل مشهد الجنون بتحليق المقاتلات اليمنية على مجموع القصور الرئاسية في عدن، في سباق مع الزمن من قبل هذه العصابات المارقة مدعومة من قوى الخيانة الداخلية، لاغتيال الرئيس الشرعي في البلاد وإقرار واقع انفراد الحوثي وأتباعه بالمشهد السياسي في يمن ليس كيمن الأمس، يمن أنهكته الصراعات وهو الآتي من رحلة إهمال طويلة، على يد نظام بائس نهب مقدراته، وحرمه وحرم أبناءه حقهم الطبيعي في العيش الكريم من صحة وتعليم وثقافة، لكن النظام البائد أبى إلا أن يضرب حصاراً اقتصادياً على شعبه امتد على مدار سنوات حكمه، حتى يبقى الجميع تحت رحمته، وفي اليوم الذي قرر فيه أبناء اليمن الخروج على هذا الضيم والحرمان، أرادها النظام البائد فوضى عارمة، فبدأ مسلسل الخيانة والعمالة الذي انتهى باعتلاء حفنة جرذان لا وزن ولا قيمة لهم عرش بلقيس.
قبل أيام كان الشعور المهيمن على الجميع أن ثمة أنشوطة تضيق على الرقاب، اختناق عام في مواجهة كارثة تاريخية، من شأنها اختلال التوازن في المنطقة على نحو غير مسبوق، بالطبع في غير صالح بلادنا، وفي مواجهة عدو لا نهاية لجولاته معنا، فالجولة الأخيرة بالنسبة إليه –لا قدر الله- هي محونا من الوجود.
الجميع أقروا بأن تضييق الخناق على الرئيس هادي حتى اغتياله أو اعتقاله من قصره في عدن هو نهاية المطاف، وأن على السعودية أن تواجه مشاكل ما بعد اختطاف اليمن من قبل الدولة الإيرانية وأن الآتي هو الأسوأ. كانت هذه حساباتنا جميعاً من دون استثناء، لكن سلمان بن عبدالعزيز كانت لديه حساباته الخاصة، حسابات تليق بوريث عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حسابات تليق برجل أمضى عمره بين صفحات تاريخ أجداده، يستخلص الدروس والعبر، ويتأمل المواقف، ويستعرض صفحات البطولات التي أبى سلمان بن عبدالعزيز إلا أن تكون له صفحة بينها.
لا نقول إن الأمور حسمت، أو أن ستار الختام أسدل على المشهد، لكن الأهم هو أننا تحركنا، وتحركنا بقوة، وبإقدام، وعرفنا السبيل إلى انتزاع استقرار بلادنا، وانتشال إخوتنا في اليمن من أتون فوضى من شأنها أن تجهز على أمل أجيال اليمن في العيش الكريم، وربما في الوجود أصلاً، بعدما تصبح بلادهم –لا قدر الله- مسرحاً لحرب أهلية طويلة الأجل.
لقد أعلن دوي انفجارات صواريخ المقاتلات السعودية فوق أهدافها على الأراضي اليمنية المغتصبة من قبل هذه العصابات وعملائها من خونة الداخل ذيول نظام علي عبدالله صالح، ولادة عهد جديد للسياسة السعودية، عهد سلمان بن عبدالعزيز، عهد يستلهم بطولات المؤسس على يد ابنه وشبيهه الذي وعى بذكاء وفطنة وشجاعة جميع دروس تاريخ أبيه، عهد القوة بعيداً عن الحسابات الدولية التي يكيل لاعبوها بألف مكيال، عهد القرار الوطني حين تكون السيادة الوطنية مرجعية كبرى، وقت الدور المركزي لبلد تهفو إليه مشاعر أمة ترى فيه الحصن والملجأ والسند بعد الله.
لا يهم متى تنتهي المعركة، المهم أنها بدأت، لأنه لا خيار عنها، ولأن تأخرها أكثر من ذلك لم يكن محمود العواقب لنا، أو لإخوتنا في اليمن، أو للمنطقة بأسرها.. نعم أصبح لنا أخيراً معركة حتى يعلم كل مجترئ أن صمتنا لم يكن ضعفاً، وأن لهذا الصمت نهاية، أنه كان لا بد من صفير عاصفة للحزم..عاصفة أنت لها أبا فهد.