حين تعكف على متابعة جديد أخبار المنطقة في صفحات الجرائد، أو أمام الفضائيات، يصيبك الدوار أحياناً وأنت تتأمل حال بلادنا العربية، وينتابك شعور أحياناً بأن هذه ليست بلادنا، بل تذهب لأبعد من ذلك حين يتعمق في نفسك شعور بأن الاحتلال لم يرحل يوماً عن هذه الأوطان، وليس أدل على ذلك من المشهد المضحك المبكي الذي وجدتني في مواجهته قبل أيام، حين جلست أطالع نشرات الأخبار، والصراعات، بل الحروب المشتعلة بين إخوة الدين والدم، ثم تراقب قوى احتلال الماضي -اللهم إلا الجانب الأميركي حديث العهد نسبياً بكعكة الماضي العربية- وهم يتباحثون فيما بينهم ويناقشون الوضع في المنطقة، والسبيل –حسب ما يعلن رسميا- إلى وقف هذه النزاعات، والتوفيق بين الأشقاء "المسلمين"، وحمايتهم من قوى التطرف والإرهاب "الإسلامية"، ومساعدة فرقاء المذاهب "الإسلامية" على الخروج من هذا المأزق.. إلى آخر هذا الجنون الذي لا يصدَّق.
ويبقى السؤال، إذا كانت العمليات العسكرية لمواجهة التنظيمات الإرهابية تتطلب التدخل الأميركي والغربي بحكم حاجتنا إلى أسلحتهم وأنظمتهم المتطورة، ومعلوماتهم عن كل شاردة وواردة في بلادنا التي أصبحت خارج سيطرتنا، فما وجه الضرورة ووجه الحاجة للمبعوث الأممي للتوسط بين أشقاء دين ودم. بالطبع لا ألوم هنا مبعوثي أمين عام الأمم المتحدة الذين يتوسطون بين أشقاء الدين والدم والوطن في اليمن، أو أشقاء الدين والدم والوطن في ليبيا أو أشقاء الدين والوطن في سورية، بل ألوم هذا الغياب غير اللائق من أمين عام جامعتنا العربية السيد نبيل العربي. أين هو مما نشهده الآن؟ أين هو من الصراعات الدائرة؟ لماذا لم نسمع عن مبادرة له مثل هذه المبادرات التي يأتينا بها هذا وذاك من يوم للذي يليه؟ نعم كلها من دون فائدة ومن دون نتيجة، وبعض الفرقاء يستجيبون لها فقط لتحقيق مكاسب تكتيكية لا أكثر من دون أدنى تأثير لها على استراتيجياتهم وأجنداتهم، لكن على الأقل نكون في الواجهة؟ يكون لأمين الجامعة صوت، حتى ولو ذراً للرماد في العيون، فلا يعقل أن تشهد بلاد عربية هذه الصراعات الطاحنة التي تهدد وجود المنطقة بأسرها، ولن يكون أحد بمنأى عنها إن مضت الأمور في خط هذا الجحيم، ولا نسمع لمعالي الأمين العام صوتا إلا إثر كل لقاء أو قمة حتى يلقي بيانها، ثم يعود أدراجه في انتظار لقاء جديد للزعماء العرب.
إنني لست من المؤمنين بأن دور الجامعة العربية انتهى، مهما كان المشهد غير مبشر، ومهما كان دور الجامعة متراجعا، فهي في الأخير المرجع الوحيد لنا جميعا، والبيت الكبير، حتى إن كان بيتا هرما نال منه الزمن ونالت منه عوامل التعرية، ويقيني أنه في حاجة إلى أمين مبدع نشط فاعل يعيد اكتشاف دور هذا الكيان الذي لا يليق بنا جميعا أن يتحول إلى مكان شبه معلق النشاط إلا من بعض اللقاءات الدورية أو الطارئة، وبخلاف ذلك يبقى دوره ممارسة بعض الأعمال الإدارية.
لقد مر على الجامعة العربية أمناء أقوياء، لست في حاجة للتذكير بهم، ويكفي أن نذكر السيد عمرو موسى، الذي ترك فراغا لم يزل قائما حتى الآن. ولا أدعو هنا لعودة السيد عمرو موسى، فهذا غير ممكن بالطبع، بل أدعو السيد نبيل العربي للاضطلاع بدوره، فإن لم يكن يدرك أن غيابه عن المشهد لا يليق به، فليعلم أنه غياب لا يليق بجامعتنا العربية.