في قصته الإنسانية (جسر على نهر درينا) للكاتب اليوغوسلافي إيفو أندريتش حيث الجسر هو بطل القصة وحوله تتركز الوقائع الدرامية والأحداث الدامية التي من خلالها أراد الكاتب أن يصنع من الجسر رمزا للالتقاء والتواصل، فقد تم بناء الجسر لربط أجزاء الإمبراطورية المترامية، وإيفو أندريتش يؤمن بإمكانية العيش بين القوميات والثقافات المختلفة، لذا كان مؤمنا بفكرة الاتحاد اليوغوسلافي.
ورغبة الاتحاد والتواصل والالتقاء لا توجد إلا في حال تواجد انتماءات مختلفة، وهذا بالضبط ما تعانيه بعض أنديتنا في الوقت الراهن، والانتماء المتعدد الذي يتمحور حول الإدارات والأشخاص مسألة خطيرة، سيدفع ثمنها الوطن ورياضته إن عاجلا أو آجلا.
رياضتنا المحلية الآن تدفع ضريبة الانقسامات والخلافات الانتخابية والصراعات الخفية بين الإدارات السابقة والحالية، فالخصم لا يتأخر في جمع الأعوان والحلفاء من كل الألوان والانتماءات لإسقاط خصمه بأي طريقة كانت.
وهذه الأحداث الدراماتيكية التي نعيشها في أوساطنا الرياضية لها مبرراتها ومسبباتها، فهي إما مجرد استعادة ثارات قديمة، أو محاولات لتقوية النفوذ في مواقع السلطة، أو تعبئة جماهيرية ضد خصم انتخابي سابق، أو حرب استباقية للضغط على لجان الانضباط والتحكيم.
كل هذا يوحي للقارئ بأن وسطنا الرياضي ليس إلا غابة بلا قانون واضح وصريح، وبلا لوائح تنظم العمل وتجعله واضحا حتى لغير المختصين، فالوسط الذي لا يحكمه النظام والعمل المنهجي هو وسط يغذي الانتهازية في طبائع أفراده، ويزرع المشاكل في جميع أركانه، لذلك دائما ما يشتكي الناس من الوسط الرياضي ومن ينتمي له.
وطبعا كل أصابع الاتهام موجهة نحو اتحاد كرة القدم في بلادنا، إنه حمال الأسية ومستقبل الجدل دائما والكل يحمله أسباب خراب بيوتنا، إنه الاتحاد العاجز عن الفصل بين المتخاصمين، إنه الاتحاد الذي ترتعد فرائصه عند أي حالة تصعيد أو تضخيم، للأسف هذه هي نظرتنا عن اتحاد كرة القدم.
والأندية العاجزة عن إخفاء خلافاتها وصراعاتها الداخلية هي المظلومة دائما، هي الضحية في كل الأحوال والظروف، هي الفريسة المعرضة لأنياب اتحاد كرة القدم الضعيف الذي لا يستطيع حماية نفسه.
أندية عاجزة عن تسديد رواتب موظفيها بانتظام، ولم تعد تمتلك القدرة على صناعة وصقل موهبة حقيقية تكون مطمعا للأندية الأوروبية، تضع اللائمة على اتحاد قد تؤثر القرصنة الصحفية على قراراته، وقد صدق القائل (أتلم المتعوس على خايب الرجا).
يقف بينهما هذا الصحفي سليط اللسان الثائر دائما بلا قضية، الصحفي الذي سلطته الأندية على رقبة الاتحاد الهشة، إنه الصحفي الذي يتحدث عن مصلحة رياضة الوطن كثيرا ونحن نعلم أن مصلحة ناديه تهمه أكثر.
هكذا تركنا الجسر وأصبح البعض منا معلما في طرق وأساليب الكيل بمكيالين، وهكذا تأخرت رياضتنا في نفس الوقت الذي تتقدم فيه رياضة البلدان الأخرى.