انتهى زمن الأسرار، فلم تعد هناك أوراق خفية في اللعبة السياسية الآن، اللهم إلا بعض الملفات الحساسة التي تصل إليها أيدي الأجهزة السيادية في إحدى الدول، أما عن بعض السياسات العامة فلم يعد الأمر في حاجة إلى منظر ملهم يخرج إلى الشعب ليبصره بالأخطار التي تحدق به، فالحقائق واضحة تماما لمن يبصر، والأفواه التي تنفخ بقوة في نار فتنة كبرى لا يهدأ مكر الليل والنهار لإشعالها ليست بخافية على أحد، فقط على شعوبنا أن تقرأ مشهدا واضحا نتن الرائحة.

أقول هذا بعد جولة على عدد من الفضائيات لا هم لها على مدار الساعة سوى بث خطاب فتنة مكشوف، يتجاوز سرد الأخبار، صادقة كانت أو ملفقة، إلى التحريض الصريح المباشر ومحاولات ضرب أسافين الوقيعة بين الأنظمة العربية الباقية التي تمسك بمنطقة يراد لها التشرذم، وتأليب الشعوب على أنظمتها.

ولقد نالت العلاقات الخليجية - المصرية منذ رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله- وابلا من الإشاعات حول اهتزاز العلاقات بين دول الخليج ومصر، بالإضافة إلى محاولات وقيعة لم تهدأ بين قادة الخليج ومصر، على أمل ضرب العلاقة الخليجية - المصرية في مقتل، إلى درجة خروج بعض الوجوه المأجورة على الفضائيات تطالب دول الخليج صراحة بالتوقف عن مساندة مصر ودعمها، بلغة تحريض رخيصة بائسة، تحطمت على صخرة التصريح الأخير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- بأن العلاقات بين السعودية ومصر أكبر من أي محاولات لتعكيرها، وأن "موقف المملكة تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغير، وأن ما يربط البلدين الشقيقين نموذج يحتذى في العلاقات الاستراتيجية والمصير المشترك، وأن علاقة المملكة ومصر أكبر من أي محاولة لتعكير العلاقات المميزة والراسخة بين البلدين الشقيقين". وفق التصريح الذي بثته وكالة الأنباء السعودية عن ملخص مكالمة هاتفية بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام.

إننا مطمئنون تماما إلى فطنة قيادتنا الحكيمة في إدارة مصالح بلادنا والحفاظ على تحالفاتها الإقليمية، وأيضا الحفاظ على الروابط الأخوية بيننا وبين الأشقاء في المنطقة من أن تطولها يد الفتنة والشقاق، لكن المقلق حقا هو انسياق بعض بني شعبنا وراء هذه المحاولات المكشوفة المتهافتة التي تسعى إلى إلحاق الأذى بدولنا وشعوبنا لصالح أجندات خارجية لم يعد أمرها خافيا علينا.

وإزاء هذه الفتنة الكبرى التي تدار حول بلادنا نجد أن على شعوبنا - وشعبنا السعودي على وجه الخصوص فهو المعني بهذا الخطاب - أن يُرِي قيادته منه خيراً، وأن يكون حليفها في مواجهة قوى الظلام التي لم تعد تكتفي بالاصطياد في الماء العكر، فبدأت تسعى إلى تعكير الصفو بين أشقاء عرفوا الطريق إلى وحدتهم في مواجهة مخططات التقسيم والهيمنة التي كانت تسري بسرعة النار تحت الهشيم في اتجاه بلادهم.

إن علينا جميعا الحذر من خطاب هدفه الرئيس تهييج الشعوب وتأليبها على قياداتها، لإشغال الأنظمة داخليا وتشتيت جهودها، وإغراقها في دوامات الجدل والصراع في وقت تستهدف فيه قوى معادية عمق بلادنا، وعلى أهم محاور مصائرها ومصالحها الوطنية الكبرى. فاستيقظوا يرحمكم الله.