حينما خرج الباحث أحمد الغامدي في لقاء تلفزيوني برفقة زوجته وقد كشفت وجهها قام جهال ممن لا يعرفون للخلاف معنى بشن حملة عليه، وللأسف فبعضهم متخصص في الشريعة وبعضهم يسبق اسمه حرف الدال، ولا يعنيني موقفهم ولا يسوؤني بقدر ما يعنيني وأستغرب موقف بعض المشائخ حينما قرروا أنه يجب تغطية الوجه بطريقة مشابهة لما دأبوا عليه منذ خمسين عاما بإغفالهم خلافية المسألة أو عرضها بشكل باهت، مع أن طبيعة المرحلة التي نحن بها تقتضي إقرار الخلافية بشكل قوي والاعتراف بالأقوال الأخرى وإن لم يرجحوها، وتحريم الكف عن المخالف سواء فعله الشخص كما فعل الغامدي أو أفتى به كما يفعل كثير من طلبة العلم في بلادنا، وأنه لا يجوز التعرض لمن أفتى بجواز الكشف أو الإساءة إليه ولا التعرض للمرأة أو ذويها أو الإساءة إليهم، فلا بد أن تخرج الفتوى بهذه الطريقة مع كل فتوى لهم بوجوب التغطية.

فلو حدث اعتداء على الغامدي أو غيره فهؤلاء المشائخ يتحملون جزءاً من المسؤولية، لأنهم لم يعرّفوا الناس بخلافية المسألة، والتغاضي عن ذلك هو نوع من الرضا بما يحدث، فالناس لم يعودوا في قرية صغيرة تحكمها أعراف محلية إذا خالفهم أحد بالقول بجواز الكشف انبهروا واضطربوا وتكالبوا عليه وإنما نحن الآن في مجتمع مفتوح بدأ أفراده بممارسة كثير مما لم يُعتد عليه سابقا ككشف الوجه، الذي لم يعد منتشرا في المناطق التي يعرف بها فحسب، بل حتى في المناطق التي تعيبه ولا يُعرف بها، ومن لم يفعله في الداخل فإنه يفعله في الخارج فلم يعد كشف الوجه يسبب فتنة لا جنسية ولا ثقافية ولا اضطرابا في المجتمع.

ولو افترضنا أن هذا موجود فمهمة العالم تخفيف الاحتقان بذكر علماء قالوا به وأنه ليس انحرافا أو كفرا حتى يتشنج المخالف بهذه الطريقة، لا جر الناس وإلزامهم بأقوال معينة، فأي اضطراب أو فتنة يخشونها إن أفتوا بخلافية المسألة وأن القول المبيح للكشف قوي وإن كان مرجوحا لديهم، ولو كان المجال يسمح لفندنا أدلتهم دليلا دليلا على افتراض وجودها، ولكن لنبقى الآن في خلافية المسألة فقط.

إذا كنا لا نستطيع تقرير الخلاف في غطاء الوجه وصلاة الجماعة وغيرهما من الخلافيات فكيف نطالب بإنهاء الصراع الطائفي والمذهبي، وهل إنهاء هذا الصراع إلا بإقرار المخالفين على أقوالهم حتى لا يتصارع الناس بسببها؟، وإذا كنا لم نستطع التوصل إلى حل في غطاء الوجه فكيف بالمولد والتصوف وأفضلية أبي بكر على علي أو العكس وإعادة فهم النص، وكيف نقضي على الإرهاب إذا علمنا أن أصله التشدد في المواقف كهذا التشدد وعدم اعتبار الآخر؟!، فإذا لم نعتبر مجيز الكشف فكيف نطالب الإرهابي باعتبار الآخر؟ هل عرفنا الآن كيف أن بعض الاجتهادات تبعث على الإرهاب والصراع الطائفي وإن لم يكن بشكل مباشر؟.

ينبغي على كثير من العلماء أن يقوموا بدورهم، ويتوجب على وزارة الثقافة ممثلة بوزيرها الجديد الدكتور عبدالعزيز الخضيري القيام بهذه المهمة والبحث عن علماء وباحثين شرعيين حقيقيين بالتنسيق مع الجامعات والجهات الفكرية والعلمية وإبرازهم في الإعلام بشكل مكثف لتليين هذه الخلافات، وبعدها لن نحتاج حتى إلى الحوار.