أسطورة حي بن يقظان أحد كنوز التراث العربي، فيها يناقش كاتبها الفيلسوف الأندلسي ابن الطفيل العديد من الأسئلة الأزلية التي حيرت الإنسان عبر التاريخ، تحكي قصة حي بن يقظان الذي عاش في جزيرة نائية خالية من البشر، ويصور فيها إحساس الإنسان بالعزلة وشعوره بالضياع.

وهذا الإحساس بالعزلة والاغتراب الذي عاشه بن يقظان في جزيرته المجهولة كان حاضراً بيننا في خليجي22، وحتى قبل انطلاق موعد هذه البطولة كانت مدينة الرياض تعيش الهدوء واللامبالاة، فلا يوجد ما يشعرك بأن هذه المدينة مقبلة على تنظيم بطولة ينتظرها الكثير من أبناء الخليج.

كل شيء يوحي بعدم الاكتراث لا من قِبل اللجان المنظمة ولا من الإعلاميين ولا حتى الجماهير، وكأن أبناء الخليج قادمون لجزيرة نائية خالية من البشر، بداية بحفل الافتتاح الباهت والخالي من كل وسائل الإدهاش والإبهار، فلا يوجد في هذا الاحتفال ما يبهج كعادة الشعوب المضيفة عندما ترغب في تنظيم افتتاح لافت للأنظار يعكس مدى تطورها ومدى ما تملكه من مواهب وإمكانيات، فكان حفل الافتتاح محاولة خلاص جادة من واجب روتيني ثقيل.

وفي هذه البطولة الأخوية أظهر إعلامنا المحلي حالة هي ما بين التعالي واللامبالاة، ومع أننا نعيش في عصر يمثل ثورة تقنية في عالم الاتصالات، لم تكن التقنية حاضرة في هذا الحدث الخليجي، فهل المنظمون يريدون منا أن نعيش دور حي بن يقظان أو روبنسون كروزو، فقد راودنا الإحساس بالتأقلم مع وضعنا الجديد الذي عاد بنا لثقافة الأرياف حيث التقنية ببساطاتها وبدائيتها، وحتى التعليق الكلاسيكي الذي أعادنا إلى زمن (الطيبين) قد أوهمنا بأننا امتطينا آلة الزمن وعدنا لحقبة بداية التسعينات.

وفي خليجي22 عشنا حالة استثنائية فريدة من نوعها حيث جماهير المنتخب الضيف تتفوق عددياً وحماسياً على جماهير المنتخب المضيف، ولولا الله ثم الجماهير اليمنية لاعتقدنا أن إستاد الملك فهد يقبع في مكان ناء لا يسكنه أحد، مدينة الرياض في هذا التجمع الخليجي كانت بيئة مناسبة لتمثيل مغامرات السندباد أو روبنسون كروزو.

لقد أنقذت قناة (beIN) القطرية هذا التجمع الخليجي من الناحية الإعلامية، ومعها شعرنا بأن هناك من يسكن مدينة الرياض، فقد كانت التقنية الإعلامية حاضرة معهم والمهنية والحيادية وفي نفس السياق أعطت رسالة مبطنة مفادها بأن إعلامنا السعودي يسير نحو الخلف بخطى سريعة.

خليجي 22 قرع أجراس الخطر وسلط الضوء حول كثير من ترسبات العمل الرياضي السلبي الطويل والذي ظهرت نتائجه في غياب التقنية الإعلامية والإخراجية مع العزوف الجماهيري المثير للاستغراب بالإضافة إلى هبوط المستوى الإعلامي وإنحداره الفكري.