ليس خطأ أن مجموعة كبيرة من الكتّاب والحقوقيين يكثرون من تناول قضايا المرأة في مجتمعنا، فطالما أنهن بالملايين فهذا يعني أن معاناتهن بالملايين، فاستقامت المعادلة، فبدءا من الحرمان من الوظائف ـ إلا على نطاق ضيق في التدريس أو الطب ـ مرورا بالعنف وحقوق المطلقات والعضل، والاستحواذ على الراتب أو الإرث، وصعوبة السفر واشتراط المحرم، وغيرها.. سنجد أن كل هذه المشاكل قد انبثقت من نظرة معينة للأنثى، فالمرأة لا تحتاج لعلاج إجرائي أو نظامي بطريقة التعاميم لكل مشكلة، وإنما الحل الوحيد الجذري هو بناء فكرة جديدة قائمة على حجم الدور الذي تضطلع به في هذه الحياة، ولا بد أن تمكن من لعب أدوار لتبني هذه الفكرة الجديدة، فإذا برز دورها زادت القناعة بمكانتها، وإذا زادت لم تمارس عليها تلك السلبيات تقديرا لذلك الدور، وأما الآن فهي محل للعار والجنس مما أدى لأن تكون في مرتبة أقل، ومن كان في مرتبة أدنى كان محلا للمعاناة أكثر من غيره، فكل العراقيل من أنظمة وعادات تحوم حول هذه الفكرة، والتي مؤداها أن الجنس هو الحاضر في المقام الأول في وجودها، وأنها كلما حلت في مكان حل الجنس، أو هاجس الجنس ولو على مستوى اللاشعور، أي أن البشر كالبهائم لا يلتقي الذكران بالإناث إلا للتزاوج، فالغريزة هي المتصرفة وهي المرجع في التقائهما، وبما أن هذه الفكرة متأصلة لم يسمح باستثناءات لالتقائهم ولو كان الملتقون على مستوى عالٍ في الفكر والدين والثقافة، وبعض تلك اللقاءات على مرأى ومسمع من العالم، والتي تجعل من أي ساذج في أي بلد آخر لو سأل سؤالا وهو لماذا النساء مختفيات عن الرجال عندهم؟ فالإجابة معروفة.
إن نواة هذه المشكلة هي ما يعرف بثقافة العار، وهو المسؤولية الجنسية للرجل عن المرأة، لا مسؤولية الحراسة فحسب وإنما تحمل تبعاتها المجتمعية، والعار مختلف تماما عن الشرف، فالشرف الامتناع عن الخطيئة لذاتها، وأما العار فهو أن تمتنع المرأة عن الخطئية لا لذاتها وإنما لسمعة عائلتها ولعدم تشوه صورة حارسها الرجل، أو إظهاره على أنه فرط بمسؤوليته الجنسية، ومن هذا الأساس ظهرت التبعية للرجل لأنها عاره، فأصبحت جزءا منه، كما أن أي صفة أخرى فيه هي جزء منه، ولذا ينتشر عند أصحاب تلك الثقافات مفردة "العار" أكثر من الشرف، بل بعضهم يطلقها على قريبته مباشرة، وفي الشرف الدافع داخلي وتعزيزه بتضخيمه اعتباريا بداخل الشخص، وأما العار فالدافع خارجي، وتكون حراسته باتخاذ إجراءات للمنع من خارج الشخص لا من داخله، تحت مسميات مختلفة، وهذا هو ما يفسر التناقض الحاصل في منع قيادتها للسيارة وتمكين سائق أجنبي من الاختلاء بها، ففي التحرش أثناء قيادتها ـ إن وجد ـ يكون علنا، مما يعني ظهور تقصيره في المسؤولية علنا، وفي تحرش السائق أو حتى ممارسة الرذيلة معه يكون ذلك خفية فلا يظهر تقصيره، فالعار ينسجم مع هذا التناقض، أما الشرف فلا ينسجم معه، وهذا التحليل يسري أيضا على حملات الاحتساب الديني المنبثقة عن تلك الثقافة، فأصحابها ضحية لها، لكنهم لا يعونها، فيأتون بما هو قريب منها وهو علانية المعصية أو المجاهرة بالمعصية، لكنها في حقيقتها هي ثقافة العار، ولكنهم لم يصلوا إلى هذا التحليل بعد، وأما علميا وفقهيا فأدنى طالب علم مبتدئ يستطيع إسقاط تلك الأحكام والرد عليها، ولعل الرجوع إليهم في تجويز بعض المسائل لهو نقل للمسؤولية لا غير، أو تحميل من يفتي المسؤولية الجنسية والذي يتوارى هو بالحكم الإلهي في حال إن أجازها فيعفى الجميع من المسؤولية.
حينما يأتي رئيس دولة ويزور مواضع يرى أنها تمثل انفراجا في وضع المرأة، وحينما نشاهد حجم التصفيق لللاعبتين المشاركتين في أولمبياد لندن رغم هزائمهما في المسابقات إلا أن ذلك لم يمنع من التصفيق لهما أكثر من التصفيق للفائزات اللواتي حصدن الميداليات، إذ يرون أن فوزهن هو بداية تمكن المرأة عندنا من المشاركة، فإن هذا يلغي كل ما يقال من أن المنظمات المشبوهة خارجيا هي من تسعى لتغيير وضعها، فمن صفق هو رجل الشارع البسيط، أقول حينما نرى كل ذلك، ألا يجعلنا نتساءل: ما الذي يجعلنا نستمر في إكساب العالم كله هذه الصورة المشوهة عن المجتمع والدولة وإحداث صورة مشوهة عن الإسلام؟ فتلك الصورة تقدم دينيا، ولأي غرض كل ذلك؟ وما الذي نجنيه من كل هذا حتى إننا وصفنا بأننا ما زلنا في الصحراء بسبب عدة ركائز أهمها وضع المرأة.
هل هذه الصورة في الخارج وعناء المرأة في الداخل تتناسب مع الفائدة التي نجنيها من تلك الثقافة الميتة التي نريد الإبقاء عليها، وأقصد ثقافة العار؟