فكل ذلك جائز لأنها أوصاف لازمة، ولا يقصد بها إطلاق شعارات جديدة أو مستوردة على العبادات الإسلامية، كما توهم صاحبنا المعترض.
لقد أطلق على الصلاة - في بعض الأحاديث النبوية - بأنها: (عماد الدين)، وعلى الصوم بأنه (جنة) وعلى الجهاد: بأنه (وهبانية) الأمة الإسلامية ، وعلى الحج: بأنه (جهاد) لا شوكة فيه. ثم إن لفظة (مؤتمر) ليست شعارًا غريبًا مستوردًا كما ظن أخونا المعترض. فهى عربية أصلا واصطلاحا، وقد غلب (الائتمار) في الاصطلاح السياسى على الاجتماع من تدبير الأمر الطيب، وغلب (التآمر) على الاجتماع من أجل تدبير أمر خبيث٠٠ مع أن القرآن الكريم أورد اللفظ الأول في المعنى الأخير في قوله عز وجل: «إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك».
والاصطلاح اللغوى - على كل حال - يجيز التعبير باللفظتين معًا عن تبادل الأمر بين المجتمعين بالمعروف فنقول: تآمروا بالمعروف أو ائتمروا به، ومثله تناهوا عن المنكر..
ويلاحظ أن كلمة «مؤتمر»، ليست شعارًا دينويا كما توهم صاحبنا المعترض ولو أطلقت أحيانًا على الاجتماعات غير الدينية، فإنها استعملت كذلك للاجتماعات الدينية أيضًا.. إسلامية كانت أم مسيحية أم يهودية..
فهى اسم قابل للأوصاف المتناقضة مثل «معركة - وميدان - ونادى - وسبيل - وندوة الخ» فنقول معركة خير أو شر، وميدان سباق شريف أو دنيء، وسبيل الرحمن أو سبيل الشيطان. وورد في القرآن الكريم قول لوط عليه السلام لقومه: (وتأتون في ناديكم المنكر) وعرفت دار الندوة في الجاهلية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعدها بالتآمر عليه من أعداء الإسلام. وإذا كان (النادى) جاء في القرآن الكريم موصفًا بأتيان المنكر فيه.. فهل نمنع استخدام اللفظ كاسم على التجمعات الرياضية والثقافية؟ أم هل نمنع استعمال لفظة (الندوة) في المحاورات الفكرية والأدبية في التلفاز أو المواسم الثقافية.. لأن الندوة كانت أول اجتماع لأعداء الإسلام للتآمر عليه والكيد له؟
إن الألفاظ والكلمات أوعية لما يراد بها من معان مع ما يضاف إليها من قرينة لفظية أو حالية والعبرة أولا بالمقاصد ثم بغلبة الاستعمال على مقصد دون آخر.
وأذن - كما أسلفنا - يكون إطلاق (مؤتمر إسلامي) على الحج صحيحًا دينيًا ولغويًا.
الحج منسك جماعى، فرض لصالح الجماعة الإسلامية ، لا لصالح كل حاج على انفراد، إذ لو كان الأمر كذلك لجاء (يجابه على كل فرد خلال أيام العام كله، ولحج الناس البيت الحرام فرادى في أى وقت شاؤوا )، ولكن الحج - تاكيدًا لغاية الجماعية - قد فرض على المسلمين في أشهر معلومات.. يتوافد خلالها الحجاج من كل فج عميق، حتى يلتئم شملهم جميعًا في يوم واحد - يوم عرفة الذى هو خير الأيام كما جاء في حديث نبوى - فيتلاقون في صعيد واحد.. يتعارف أبيضهم بأسودهم، وغنيهم بفقيرهم وشرقيهم بغربيهم - على ما بين أقطارهم قبل أن يحجوا من أبعاد سحيقة، واختلاف في اللغة ونظام الحكم وتقاليد الاجتماع وبعد.. فإذا فرغ الحجاج من مناسك الحج وأعماله، عليهم أن يتأملوا: هل فرغوا حقا من غاياته والتزاماته، وهل حققوا في أنفسهم هذه الغايات والالتزامات التى تحدثت عنها آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ثم ليسألوا الله الكريم الرحيم: أن تبقى معهم بركات الحج ونفحاته طوال عامهم، بل طوال عمرهم، وأن يعيد لهم أيام الحج السعيدة مرددين مع القائل:
«يا حبذا الموسم من موعد
وحبذا الكعبة من مشهد».
1975*
*كاتب سعودي «1925 - 1993»