بالأمس كان المتعلم عملة نادرة، أما الآن اتخذ الأمر مجرى «كل ما يشيع يفقد قيمته». بناء المهارات الأساسية من الحياة والخبرات لا يمكن أن يسد فجوة التعليم والمتطلبات الفعلية للعمل، فالواقع ينافي ما هو متداول، والأرقام تدعم صحة القول.
تكثر الأقوال أن كثيرا من الشباب يبحثون عن المسارات المهنية التي تتناسب مع دراساتهم العليا ومهاراتهم الشخصية، بينما في أرض الواقع تتجدد معاناة الخريجين، المتمثلة في البطالة كل عام، وتتكدس القطاعات غير الربحية بحاملي شهادات عليا لتخصصات مطلوبة في سوق العمل!
ثلاثة أشهر تجريبي، دوام جزئي، وتدق القلوب نازفة على سنوات قضت في التعليم الجامعي، وأحلام صعقت من واقعها، وتسلط الضوء في الآونة الأخيرة على المهارات دون الشهادة، ووضع التعليم جانبا.
أنتجت الخبرة ثغرة عميقة، وأصبحت متطلبات الشواغر تفوق المعقول. زمن التلميذ تفوق على معلمه، مستقبل وحاضر بلحظة واحدة يهدم في عالم سريع التقدم والتغيير، ويتعلق بتوقيع عقد في لمح البصر يلغى، ويركن في زاويا الماضي. هل من الممكن في السنوات القادمة الاستغناء عن التعليم وشهادته؟!
اتجه غالبية شباب اليوم لمنصات التطوع والقطاع غير الربحي، للاستفادة من الخبرة التي تقف عقبة أمام الجميع. وعلى لسان سلطان، خريج جامعي من قسم الاتصال والإعلام: «هوايتي التصوير وإجراء المقابلات، وكان العائق الوحيد أمام فرصتي في التوظيف أن الفرص التي أريدها لم تأت بعد، فاتجهت إلى الوظائف الموسمية والتنظيم التطوعي. أما عن تخصصي، فشهادتي مركونة».
ومن التحديات الأخرى التي يواجهها الخريجون والباحثون عن العمل هو الخبرة، التي أصبحت الآن شرطا أساسيا ومفتاح النجاة في العديد من الوظائف.
وأوضحت أسماء، موظفة سابقة في القطاع غير الربحي لسنوات عدة: «الخبرة ثمرتك الآن، ولتجاوزها عليك أن تتعرف على الأنماط المهنية بشكل عام، لتتجاوز تلك العقبة، وأن تُزيد معرفتك بالمجالات المختلفة والتطورات الشخصية التي تُكسب خبرات متعددة، وليس مجرد خبرة واحدة».
وأكمل سلطان مؤيدا قول الموظفة السابقة: «من الضروري تطوير السيرة الذاتية للتوظيف بحضور ندوات ودورات، والمشاركة في اللقاءات، حتى لو كانت خارج التخصص الجامعي، فاكتساب الخبرات يتيح فرصا أكثر للخريجين».
في الختام، أصبح الجميع سواسية في ظل التقدم والتغيرات في سوق العمل، والاستثمار الحقيقي ليس الدراسة، بل صقل المهارات وتطويرها واكتساب الخبرات، لمواكبة التحديات في المجال، وضمان التنافسية.