وتشير البيانات إلى التزام المملكة بخفض انبعاثات الكربون بمقدار 278 مليون طن سنويًا، وتخصيص 30% من مساحتها كمناطق طبيعية محمية بحلول 2030.
هذا التوجه لا يعكس فقط التزامًا بيئيًا، بل يمثل ركيزة اقتصادية جديدة، تستثمر فيها المملكة لحماية مواردها الطبيعية، وتحفيز النمو عبر قطاعات السياحة البيئية، والطاقة المتجددة، وإعادة التدوير، والزراعة المستدامة.
واقع تنفيذي
لم يعد الاقتصاد البيئي مفهومًا نظريًا في المملكة، بل أصبح واقعًا تنفيذيًا تدعمه المبادرات والموازنات. فمبادرة «السعودية الخضراء» وحدها تشمل استثمارات ضخمة تتجاوز 700 مليار ريال من خلال 77 برنامجًا بيئيًا. وتستهدف هذه البرامج خفض الانبعاثات، وتعزيز الاقتصاد الدائري، وزيادة كفاءة استغلال الموارد. كما أن المملكة تعمل على إعادة تدوير 95% من النفايات، ما يدفع نحو تقليل التلوث وتحقيق فوائد اقتصادية مباشرة.
مناطق محمية
تخطط السعودية لتخصيص 30% من أراضيها كمناطق طبيعية محمية بحلول 2030، أي ما يعادل ملايين الهكتارات من الغابات والمراعي والمواقع البيئية ذات التنوع الحيوي. ويضم النطاق البيئي أكثر من 17.000 موقع طبيعي، يمثل بنية تحتية بيئية قابلة للاستثمار في السياحة البيئية والبحث العلمي والابتكار الزراعي.
ويُعد هذا التحول من أكبر مشروعات الحماية البيئية في المنطقة، ويدعم رؤية تنموية طويلة المدى تعتمد على استدامة الموارد.
ثروات نباتية
يُبرز التقرير ثراء المملكة بالنباتات البرية، حيث يوجد 2.247 نوعًا، من بينها 837 نوعًا نادرًا و142 مهددة بالانقراض.
وتمثل هذه النباتات موردًا اقتصاديًا واعدًا في قطاعات الطب البديل، والصناعات التجميلية والعطرية، والأدوية الطبيعية.
وتشير «إتمام الاستشارية» إلى إمكانية بناء سلاسل قيمة مضافة قائمة على هذه الموارد، مما يعزز الاقتصاد الأخضر المحلي ويقلل من الاعتماد على المنتجات المستوردة.
سياحة خضراء
تشير البيانات إلى أن المملكة تستثمر في تطوير السياحة البيئية كمصدر اقتصادي واعد، حيث يمكن أن تسهم في خلق أكثر من 277 ألف فرصة عمل، وتحقيق إيرادات سنوية تتجاوز 30 مليار ريال.
وتتنوع التجارب السياحية البيئية ما بين التخييم، واستكشاف الكهوف والجبال، والرحلات البحرية، والمشاركة في مبادرات التشجير المجتمعي، وهو ما يجعل من الطبيعة السعودية عنصر جذب اقتصادي ومجتمعي على حد سواء.
من النفايات إلى الموارد
تناول التقرير الأثر الاقتصادي الكامن في إدارة النفايات، حيث يُقدر أن التدهور البيئي كلف المملكة أكثر من 86 مليار ريال في 2014. ومن خلال مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة أو مواد قابلة لإعادة الاستخدام، تتجه السعودية إلى اقتصاد دائري يقلل من الأعباء البيئية ويحقق وفورات مالية وفرصا استثمارية، لا سيما مع تزايد الطلب العالمي على حلول الطاقة النظيفة.
ضغط على الموارد
تواجه المملكة مجموعة من التحديات البيئية، وعلى رأسها الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية والتربة، نتيجة التوسع الزراعي والصناعي والعمراني. وتواجه البلاد آثارًا مناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة، وشح الأمطار، ما يتطلب حلولًا تكيفية مثل الزراعة الذكية، والتشجير المحلي، والاعتماد على مصادر مائية غير تقليدية.
دور دولي متنام
عززت المملكة من مكانتها البيئية على الساحة العالمية باستضافتها لمؤتمر COP16 لمكافحة التصحر، وهو حدث دولي بارز يُعقد لأول مرة في الشرق الأوسط. كما التزمت المملكة بخفض 1.500 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون يوميًا، وتوسيع مساهمتها في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، ضمن خطة وطنية تتناغم مع الاتفاقيات البيئية الدولية.
تعليم ومواطنة بيئية
اهتمت المملكة كذلك بجهود رفع الوعي البيئي وتعزيز التعليم البيئي، من خلال المناهج الدراسية، والمبادرات المجتمعية، وبرامج إشراك المواطنين في مراقبة البيئة والمساهمة في حمايتها. كما أن المجالس المحلية للمحميات تسهم في إشراك المجتمع في صنع القرار البيئي وتعزيز الحس بالمسؤولية الجماعية تجاه الموارد الطبيعية.
الاستدامة والربحية
تخطو المملكة بثقة نحو بناء نموذج اقتصادي بيئي متكامل، يربط بين الاستدامة والربحية، ويحوّل البيئة إلى أحد أعمدة الاقتصاد الجديد. ومع تزايد الاستثمارات، وتعدد المبادرات، وتوسع التزامات المملكة الدولية، فإن السعودية مرشحة لأن تكون مركزًا إقليميًا رائدًا في الاقتصاد الأخضر والتنمية البيئية الشاملة.