في موسم الحج، حيث تسمو الأرواح وترتقي النفوس، وتذوب الفوارق بين الجنسيات والأعراق تحت مظلة العبادة، أطلّ الرئيس السوري أحمد الشرع على حجاج بلاده بكلمة مصوّرة حملت في طياتها ملامح الصدق، ولمسات التواضع، وعبّرت عن رؤية إنسانية تتجاوز حدود البروتوكول.

في مكالمة مرئية بسيطة في شكلها، عميقة في مضمونها، قال الرئيس مخاطبًا الحجاج: «نحن والسعوديون شعب واحد في بلدين، ولم يقصّروا معنا أبدًا»، عبارة لم تُلقَ في الهواء، بل لامست وجدان كل من يعرف معنى الكرامة حين تُصان، ومعنى الاحترام حين يُمنح بلا منّة.

الخطاب لم يكن تقليديًا، ولم يأتِ بصيغة بيانات سياسية معتادة، بل بدا منطلقًا من شعور صادق بالمسؤولية الأخلاقية تجاه شعب أنهكته الأزمات، وظروفه أقل ما توصف به أنها مأساوية، لم يتضمن تملقًا، ولا شعارات مستهلكة، بل ركّز على جوهر الإنسان، على السوري الذي يستحق استرداد كرامته، لا بالصراخ، بل بالموقف والمعاملة.


ومن تابع سلوك الحجاج السوريين هذا العام، يدرك أن كلمات الرئيس لم تكن مجرد تمنّيات، فقد أكدت تقارير الجهات السعودية المعنية بتنظيم شؤون الحج، وهي جهات مشهود لها بالدقة والانضباط، أن البعثة السورية التزمت بكافة التعليمات، وأظهرت احترامًا وتنظيمًا يعكسان وعيًا ومسؤولية عالية، السوري، رغم كل ما خسره، لم يخسر أخلاقه.

واللافت أن الرئيس لم يكتفِ بتقديم الشكر، بل وجّه حجاج بلاده إلى أن يكونوا سفراء لوطنهم، يدعون لسوريا «المريضة»، وللنازحين بالعودة، وللشعب بالسلام. كانت دعوة للتأمل والدعاء، لكنها حملت أيضًا اعترافًا صريحًا بجرح وطن، وبأن الشفاء لا يأتي إلا بالنية الصادقة والعمل الجاد.

ولا يكتمل المشهد دون الإشارة إلى الجانب السعودي، حيث أثبتت السعودية مجددًا قدرتها الفائقة على إدارة الحشود وتنظيم هذه الشعيرة العظيمة بكفاءة عالية، واستقبال كريم، وتعامل عادل، يعكس رؤية ناضجة ومتقدمة في خدمة ضيوف الرحمن، باتت تُدرّس وتُحتذى.

ما قاله الرئيس الشرع ليس مجرد خطاب عابر، بل ينبغي أن يُبنى عليه كنموذج في العلاقة بين القائد وشعبه، رئيس يخاطب مواطنيه بلغة الضمير، لا ليأمرهم، بل ليذكّرهم بالقيم التي تبدأ بالإيمان وتنتهي بالاحترام، عندها لا يكون الوطن مجرد تراب وحدود، بل يتحوّل إلى مسؤولية أخلاقية وروحية مشتركة.

فالإنسانية لا تحتاج إلى مؤتمرات، بل إلى لحظة صدق.. لحظة يقول فيها رئيس لشعبه: «أرجو ألا يظهر منكم إلا كل خير»، ويقصدها حقًا، فإن صلح الإنسان، صلح الوطن.