تتناثر بين حين وآخر قصص عدة عن محاولة انتحار أو إيذاء مراهقات لأنفسهن، وهي قصص تثير الهلع وتشيع القلق لدى الجميع، ومن هنا فقد وجه اختصاصيون إلى أهمية فهم الأسباب الكامنة وراء مثل هذه الحالات على قلتها، وإيجاد الحلول المناسبة للحيلولة دونها، باعتبارها أمرًا جديرًا بالانتباه لضمان سلامة وصحة المراهقات النفسية والعاطفية، حيث تتعرض كثيرات منهن إلى ضغوط نفسية وعاطفية قد تقودهن إلى اتخاذ قرارات مأساوية، مثل إيذاء النفس أو التفكير في الانتحار.

عوامل مؤثرة

تقول الاختصاصية أبرار الحبيب، إن «من أبرز أسباب ودوافع إيذاء النفس لدى المراهقات، الضغط النفسي والعاطفي المتمثل في وجود مشاكل أسرية وعائلية (طلاق، إهمال، تعنيف)، أو تعرض الفتاة للتنمر، أو الرفض من الأقران، أو وجود علاقات عاطفية مؤذية أو فاشلة».


وأضافت «هناك عامل انخفاض الثقة بالنفس، سواء على مستوى الشعور بعدم الكفاءة أو الجمال، أو مقارنة نفسها بالآخرين، علاوةً على الإحساس بالكبت وعدم التعبير عن المشاعر كفقدانها وجود شخص مقرب أو حوار عائلي، أو خوفها من الكلام والبوح عن مشاكلها ومخاوفها، فيما تتعرض بعض الفتيات إلى حالات نفسية سببها الاكتئاب أو الاضطرابات النفسية، فقد تعاني من اكتئاب أو قلق وهي لا تعلم».

وأكملت «هنالك جانب مهم ومؤثر أيضًا وهو الفضول، أو تقليد الآخرين، فقد شهدنا بعض الحالات التي تتأثر بمتابعة مقاطع في الميديا أو قصص تحفزها كي تجرب بنفسها».

نشر الوعي مطلب

عن الحلول وطرق المساعدة، ذكرت الحبيب «من المهم السعي إلى نشر الوعي من خلال المدارس والأسرة مثل المحاضرات التوعوية عن خطورة إيذاء النفس، وإشراك الأهل في ورش عمل عن التعامل مع المراهقين. وكذلك وجود شخص داعم ومتفهم، الأخت، الأم، أو صديقة قريبة، وتشجيع البنات للحديث عن مشاعرهن دون خوف».

وأردفت إن «توفير الدعم النفسي بعرض المراهقة على أخصائي نفسي لو تم ملاحظة علامات خطر، مع توفير خطوط علاجية سهلة الوصول، ما قد يسهم في وضع حد لأي أفكار مؤذية للذات، وبالإمكان أيضًا تعليمها طرقًا صحية للتعامل مع الضغط مثل الرياضة، الكتابة، الفن، أو التأمل، وحتى مراقبة المحتوى الذي تتابعه، فكما ذكرنا آنفًا هناك بعض المواقع أو الحسابات التي تروج لأفكار سلبية، ومع الرقابة قد نضع أيدينا على هذه المشكلة ونوقفها في حينها».

وأشارت إلى أن «رفع مستوى الوعي لدى فتياتنا بهذه السن أو من فئة المراهقات هو محور مهم لإحداث تغيير إيجابي في فكر الفتاة ونفسيتها، وحتى نظرتها إلى الحياة، ويمكننا أن نحقق رفع مستوى الوعي من خلال عدة طرق، منها التواصل المباشر مع مختصين للحديث عن مشاعرهن، وكذا التثقيف من خلال السوشال ميديا، أي أن نستخدم المنصات التي يفضلنها لنشر محتوى إيجابي، إضافة إلى تعزيز قيمة الذات، بأن نُشعرهن أنهن غاليات ومميزات، وأن لكل مشكلة حلًا غير الإيذاء».

دراسات وفروقات

من جهته، أجاب اختصاصي علم النفس الإكلينكي أسعد النمر، عن السؤال الأوسع الذي يطرحه كثيرون، وهو: «ما الذي قد يدفع فتاة مراهقة إلى إيذاء نفسها أو التفكير في الانتحار؟»، وقال «في دراسة أُجريت في مدارس بالعوامية وصفوى، نُشرت عام 2001، وُجد أن هناك اختلافًا بين الذكور والإناث في طريقة التعبير عن الغضب أو المشاعر السلبية. الطلاب الذكور غالبًا ما يظهرون عدوانيتهم بشكل مباشر، كالصراخ أو الضرب. أما الطالبات، فتميل سلوكياتهن إلى نوع آخر من العدوان، وهو العدوان الموجّه نحو الذات، مثل شدّ الشعر، أو حتى إيذاء النفس».

وأضاف «هذه الفروقات لها علاقة بالتنشئة الاجتماعية؛ فالمجتمع يشجّع الذكور على التعبير الخارجي، بينما يُربّى كثيرًا من الإناث على كبت مشاعرهن، مما يجعلهن يعبّرن عن غضبهن داخليًا. وفي هذا السياق، يمكن الذهاب أعمق في معرفة بعض العوامل ذات الصلة».

العوامل البيولوجية والنفسية

في هذا الصدد ذكر النمر أن المراهَقة فترة صعبة من الناحية البيولوجية. فالفتيات يمررن بتغيّرات هرمونية كبيرة تؤثر في الدماغ، خاصة في منطقتين مهمتين:

• اللوزة الدماغية (Amygdala): المسؤولة عن تنظيم المشاعر والانفعالات.

• قشرة الفص الجبهي (Prefrontal Cortex): المسؤولة عن التفكير المنطقي وضبط السلوك، لكنها لا تكتمل إلا في سنّ العشرينات.

ولفت إلى أن «هذا يعني أن المراهقة تشعر بانفعالات قوية، لكنها لا تملك دائمًا القدرة على التحكم بها أو تقييم عواقب أفعالها. كما أن أدمغتهن تتفاعل بقوة مع الانتقادات والرفض، ما يجعل التوتر أو الخلافات مع الصديقات أمرًا مؤلمًا بشدة».

العوامل الاجتماعية والنفسية

أما عن العامل الاجتماعي النفسي، قال النمر «تعاني بعض المراهقات من مشاكل في العلاقات الاجتماعية، أو من التنمّر، أو من الرفض من الآخرين، ما قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة والحزن. كما أن هناك عوامل أخرى تزيد من هذه المعاناة، مثل:

• الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، الذي يرتبط أحيانًا بزيادة الاكتئاب.

• التحرش الجنسي أو العنف الأسري أو التمييز بين الجنسين.

• التفكير السلبي المتكرر، ولوم النفس».

ونوه إلى أن «هذه العوامل قد تدفع بعض المراهقات إلى التفكير في إيذاء أنفسهن، خاصة إذا لم يجدن من يفهمهن أو يدعمهن».

سبل الوقاية

للوقاية من مثل هذه الحالات، أوضح النمر أنه من المهم العمل على عدّة مستويات، ومنها:

1. الدعم الأسري: الاستماع للمراهقة، واحترام مشاعرها، وتجنّب التقليل من معاناتها أو السخرية منها.

2. المدارس: توفير بيئة آمنة وداعمة، وتدريب المعلمين على اكتشاف علامات الاكتئاب أو التنمّر.

3. الصحة النفسية: نشر الوعي بأهمية العلاج النفسي، وتوفير استشارات مجانية أو سرية داخل المدارس.

4. الإعلام والتقنية: توعية المراهقات بمخاطر المقارنات على مواقع التواصل، وتوفير بدائل صحية لاستخدام التقنية.

5. بناء المهارات الشخصية: تعليم الفتيات كيفية التعبير عن مشاعرهن بطريقة صحية، وكيفية التعامل مع الرفض أو الفشل.

6. حماية قانونية: وضع قوانين صارمة ضد التنمّر، والعنف الأسري، والتحرش، وتوفير جهات يُمكن للفتيات اللجوء إليها بسرية وأمان.

التنمر عبر الإنترنت

بينت دراسات عدة أن كثيرا من المراهقات وقعن ضحية التنمر عبر الإنترنت، حيث اجتمع التنمر مع جملة ضغوط أخرى تعيشها الضحية مما يؤدي إلى الانتحار الذي ارتفعت معدلاته بنسبة ملحوظة في السنوات الأخيرة، حيث أكد مؤلف دراسة، باحث في كلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية أن التنمر «تهديد حقيقي للغاية.. نوّد جميعا أن نعتقد أنه لن يحدث لنا».

وبينت الدراسة أن هناك علامات تحذيرية عدة يجدر الانتباه إليها تشير إلى أن الشخص قد ينتحر، أو قد يؤذي نفسه، مع تأكيدها على أن معظم الأشخاص الذين تراودهم الأفكار الانتحارية هم في الحقيقة لا يودّون الموت، بل لا يرغبون في متابعة نمط الحياة الذي يعيشونه.

علامات قد تشير إلى أن المراهقة قد تنتحر أو تؤذي نفسها

1- الحديث عن فكرة الانتحار، حتى لو بالمزاح.

2- أذية النفس للحصول على الاهتمام قد تقود في مرحلة لاحقة للإقدام على الانتحار.

3- الانسحاب اجتماعيا والابتعاد عن العائلة والأصدقاء.

4- الشعور بالضغط أو اليأس والذي قد يعبر عنه بقول «أكره حياتي» مثلا.

5- التغيير المناقض للروتين اليومي كأن تقصر ساعات النوم أو تصبح أطول بكثير من المعتاد.

6- التخلي عن الممتلكات بما فيها الثمينة دون أي تفسير منطقي لذلك.

7- التغيرات الشخصية وتقلب المزاج والقلق والإثارة.

سبل الوقاية

1. الدعم الأسري

2. الدعم المدرسي

3. التوعية الصحية النفسية

4. التعامل الواعي مع وسائل التواصل الاجتماعي

5. بناء المهارات الشخصية

6. حماية قانونية.

أبرز الأسباب والدوافع لإيذاء المراهقات لأنفسهن

1. التنمر

2. مشاكل العلاقات الاجتماعية

3. الضغوط النفسية

4. التحرش الجنسي أو العنف الأسري

5. الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي.