يُروى أن ذئباً اقترب من قطيع غنم محاولاً خطف واحدة، لكن ما إن لمح قرون أحد الكباش حتى تراجع خائفاً، واعتذر للقطيع قائلاً إنه لن يهاجمهم لأنه «فزع» من منظر القرون، ثم انسحب سريعاً. غير أن أحد الكباش، وقد امتلأ غروراً، لحق بالذئب مهدداً إياه بقرونه، فقال الذئب للكبش لماذا تلاحقني لقد تركت قطيعكم، وإذا رأت الذئاب أني أهرب من كبش فسيعيرونني وينبذونني، وبدلاً من أن يعود أدراجه زاد غرور الكبش، وأصر على ملاحقة الذئب حتى تخوم وكره، وهناك، وعند عتبة قطيع الذئاب، التفت الذئب فجأة، وانقض على الكبش المغرور، وأمسك برقبته قائلاً بفخر أمام رفاقه: «ألم أقل لكم إني أستطيع أن أراهنكم وأن أجعل الغداء يأتي بنفسه ديليفري؟». ثم التهموه معاً بعد أن أنهى رهانهم الممتع.

هذه القصة الساخرة ببساطتها، تحمل في طياتها تشبيهاً بواقع تعيشه منطقتنا، وخاصة في الشرق الأوسط، حيث تغلب الحسابات الخاطئة، ويقع البعض ضحية الثقة الزائدة، والقرارات المتهورة، فيصبحون وجبة سهلة لمن يملك دهاء الذئاب وصبرهم.

في مشهدنا السياسي اليوم، يتصدر بعض المحللين الإستراتيجيين – أو لنقل «المخلّلين» كما يسميهم البعض – شاشات القنوات العربية، محللين كل شيء من غرف نومهم أو استراحات فندقية، يوزعون النصائح على أمريكا، ويشرحون كيف ينبغي لها أن تتصرف، وكأنهم أكثر فهماً للمنطقة من مراكز صنع القرار نفسها.


بعضهم مثلا يدّعي أن أمريكا تجهل كيف تتعامل مع اليمن، أو لا تعرف حقيقة ما يجري في الشرق الأوسط، بينما الحقيقة – لمن يعرف كيف تسير الأمور – أن أمريكا حين تريد الحسم، تحسم، وحين تختار التماطل، تماطل وتسوف بغرض مدروس، وليس نتيجة جهل أو تخبط! وأبسط دليل على ذلك، الطريقة التي تتعامل بها مع ملف «ابنتها المدللة» في المنطقة: إسرائيل.

لقد بالغت إسرائيل، عمداً، في تضخيم قوة حزب الله، وراكمت الدعم الغربي والدولي، حتى إذا جاء وقت الحسم والحساب، نفّذت عمليات دقيقة وواسعة النطاق وكانت تعرف حتى غرف نومهم، واستهدفت قادة الحزب من الصفوف الأولى إلى الثالثة، وأفنت الآلاف من كوادره بدقائق باستخدام زر البيجر، وأيضا الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأمريكية لعبت دورا حاسماً، فهل كان ذلك صدفة؟ بالطبع لا. لكن المشكلة أن بعض «المحللين» صدّقوا البروباغندا، وبدأوا ينفخون في قدرات الحزب حتى تخيلوه قوة لا تُقهر.

ويخطئ من يعتقد أن إسرائيل محترفة بنفسها، بل مجرد هواة أمام ما تملكه أمريكا من تكنولوجيا و إمكانات، وكان لأمريكا دور فعال في كل ما حدث!

وها هي حكومة إسرائيل الحالية، وقد أصابها الغرور المفرط من نجاحاتها الاستخباراتية، تصبّ - للأسف - جام عدوانها على المدنيين في غزة، بينما أمريكا تراقب، وتوازن، وربما تجهّز أوراقها للمرحلة التالية.

في اليمن، المثال أيضا واضح، إدارة بايدن لم تتعامل بجدية مع ملف الحوثيين، بل كانت ضرباتها أشبه بـ»الدغدغة»، مع أن القدرة على الحسم كانت موجودة، غير أن الإدارة الأمريكية السابقة احتفظت بالحوثيين كورقة تفاوض، ووسيلة ضغط، بل وكشوكة سياسية في خاصرة الخليج. هل كانت عيون أمريكا غافلة؟ إطلاقاً، لكن كانت هناك أجندة، وخطط طويلة الأمد.

تذكروا جيدا «هناك فرق كبير جدا بين أمريكا عندما تريد أن تحسم أو أن تلعب! ولديها الإمكانات لعمل إحداهما متى ما أرادت، لكن من الغباء الاعتقاد أن أمريكا لا تعلم!».

وللأسف، ما زال بعض المحللين في الطرفين – الحوثي والشرعية – يعيشون عوالم خيالية. الحوثيون يبالغون في قدراتهم كما لو أن لديهم قوى خارقة، والشرعية يطلق بعض ممثليها تحليلات إستراتيجية من الفنادق، وكأنهم جنرالات جيوش عظمى. وفي الواقع، البعض منهم سواء مدني أو عسكري مختَرق أيديولوجياً!

والسؤال الذي يتكرر: هل أمريكا جادة في القضاء على الحوثيين الآن؟ لا جواب حاسم حتى الآن، لأن المؤشرات الحقيقية لم تظهر بعد.

ما هو مؤكد، أن العبرة ليست في تصريحات المحللين أو أماني الأتباع، بل في الأفعال والميدان، وفي مراكز القرار الحقيقية، وبعض المحللين أجرموا بحق مختلف القضايا العربية، ونفخوا قدرات كرتونية لبعض القوى والنتيجة مأساوية على القضايا وعلى المدنيين المساكين!

ختاماً، حين تنفخ في نفسك أكثر مما تحتمل، وتصدّق خرافات القوة، قد تجد نفسك مثل ذلك الكبش المغرور، الذي قرر أن يلاحق الذئب متجاهلاً قوانين الغابة، حتى وصل إلى عرين الذئاب... فأصبح وجبة ديليفري.