الثلاثاء القادم، مفتتح العشر الوسطى من رمضان الأغر، والذي يصادف الحادي عشر من مارس، حيث يحل العام الثالث ليوم العلم، وتنفيذ أمر سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، في 1444/08/09، بأن يكون لنا في هذه البلاد المباركة يومٌ خاصٌ بالعلم، باسم (يوم العلم)، نستذكر فيه اليوم الذي أقر فيه والدنا وموحد كياننا، جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ «العلم بشكله الذي نراه اليوم، يرفرف بدلالاته العظيمة التي تشير إلى التوحيد، والعدل، والقوة، والنماء، والرخاء».

يوم العلم ليس مجرد احتفاء براية، بل بمعانٍ أعمق تمتد عبر التاريخ، تعبر عن الثبات والهوية والانتماء؛ فالعلم السعودي ليس مجرد رمز وطني، بل شاهدٌ على وحدة الوطن، والتفاف المواطنين حوله مهما تباعدت المسافات أو تعددت الرؤى، ويحمل معاني الانتماء الراسخ لكل من يرفعه بإخلاص.

في هذا السياق، صدر بداية شهر شعبان الماضي أمر ملكي بالموافقة على «قواعد إجراء التسويات المالية»، مع من ارتكبوا جرائم فساد من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية؛ بهدف استعادة الأموال المنهوبة وتحقيق العدالة الناجزة في قضايا الفساد المالي، والتأكيد على استمرار الدولة في اتخاذ جميع الوسائل والآليات اللازمة لتحقيق النزاهة، واستعادة الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد، وفق ما نوه به لوكالة الأنباء، رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، مازن الكهموس.


وبداية الأسبوع الماضي، أكد رئيس جهاز أمن الدولة، عبدالعزيز الهويريني، خلال لقاء تلفزيوني، نهج الدولة في التعامل مع المعارضين والمغرر بهم في الخارج، قائلا: «الدعوة لهم مفتوحة، وأؤكد وأنقل على لسان الأمير محمد بن سلمان، من يأتي ويقرر العودة، ولم تكن عليه مشكلات خاصة، كاعتداء على أحد أو غير ذلك، وكان مجرد معارضة استُغل من قِبل المغرضين، أو كان من الذين يُدفع له المال، أو غُرر به، فهو مرحّب به، ولن يناله أي عقاب»، وهو إعلان وإعلام يعكس التوازن الدقيق الذي تنتهجه الدولة، حيث لا ولن يتم التعامل مع أبناء الوطن بمنطق الإقصاء، وأن الباب مفتوح لمن يعود بصدق وإخلاص، وأن الأمن ليس مجرد ضبط وردع، بل رؤية إستراتيجية تقوم على الحزم والمرونة، وتعكس وعيًا عميقًا بأهمية وحدة الصف، وتعزيز اللحمة الوطنية دون التفريط في استقرار وطن يتصدى لتحديات «التطرف»، ويحرص على «الاعتدال»، ويمضي بثبات نحو «التقدم».

ختامًا.. في هذا العام الجديد ليوم العلم، يتجدد معنى أن الانتماء الحقيقي ليس مشروطًا بتطابق الآراء، بل يستند إلى إدراك عميق بأن الوطن أكبر من أي خلاف، وأن رايتنا ستظل قائمة على مبادئ الرحمة والحسم، كما أن الوطن، الذي بقي متماسكًا في أصعب الظروف، لن يغلق أبوابه أمام من يرغب في العودة، وسيستمر فاتحًا ذراعيه لكل من يعيد ترتيب علاقته به، متى أدرك أن الراية واحدة، والانتماء راسخ، والصف يتسع للجميع.

أخيرًا.. يأتي يوم العلم هذا العام في رمضان أيضًا؛ الشهر الذي يعيد الإنسان إلى جوهره، ويمنحه فرصة جديدة لفتح صفحة بيضاء؛ فكما أن رمضان شهر التوبة والعودة، فإن الأوطان الحقيقية لا تغلق أبوابها لمن يعود إليها بإخلاص، والثلاثاء القادم، سيرتفع العلم كعادته، رمزًا للثبات، ورسالة بأن الوطن باقٍ للجميع.. اللهم احفظ بلادنا، وأدم عليها الأمن والإيمان، ووفق ولاة أمرها ورجال أمنها لما فيه خير البلاد والعباد، وأصلح ذات بيننا، واجعل علمنا دائمًا رمزًا للعز والاتحاد والوحدة، وبارك لنا فيما بقي من رمضان.