في خطوة تعكس أطماعها المستمرة في توسيع الاحتلال وفرض واقع جديد على الأرض، أعلنت إسرائيل أنها ستُبقي قواتها في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة لمدة عام، مانعةً عشرات الآلاف من الفلسطينيين النازحين من العودة إلى منازلهم، وذلك ضمن حملة عسكرية موسعة تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني وترسيخ سيطرتها.

تصعيد ممنهج

ومنذ 21 يناير، شنت إسرائيل هجومًا واسع النطاق على شمال الضفة الغربية، تزامنًا مع وقف إطلاق النار في غزة، ثم وسّعت نطاق عملياتها لتشمل مناطق أخرى. وتبرر إسرائيل هذه العمليات بأنها تستهدف ما تسميه «التشدد»، في حين يرى الفلسطينيون أن هذه الهجمات ليست إلا جزءًا من سياسة ممنهجة لفرض الهيمنة الإسرائيلية عبر القمع العسكري والاستيطان.


والجيش الإسرائيلي، الذي دمّر مساحات واسعة من المناطق الحضرية وأجبر آلاف الفلسطينيين على النزوح، يستعد الآن لإقامة طويلة الأمد في المخيمات التي أخلاها بالقوة، حسب تصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي أكد أن الجيش سيمنع عودة السكان للعام المقبل على الأقل.

أدوات الاحتلال

وفي خطوة لافتة، أرسل الجيش الإسرائيلي دباباته إلى جنين للمرة الأولى منذ عام 2002، في إشارة إلى استعداده لاستخدام القوة العسكرية القصوى للسيطرة على المدينة، التي تعد معقلًا للمقاومة الفلسطينية. وتستهدف هذه التحركات مناطق يعيش فيها الفلسطينيون تحت الحكم العسكري، ما يعيد إلى الأذهان سياسات القمع والتضييق التي اتبعتها إسرائيل خلال الانتفاضتين السابقتين.

والمخيمات الفلسطينية، التي كانت تاريخيًا ملجأً لمن شُرِّدوا من أراضيهم الأصلية بفعل الاحتلال الإسرائيلي قبل عقود، باتت اليوم تواجه حملة تهدف إلى تفريغها، ما يشير إلى أن إسرائيل لا تستهدف فقط العمليات المسلحة، بل تسعى لتغيير التركيبة السكانية، وفرض أمر واقع جديد عبر تهجير الفلسطينيين قسرًا.

ضغط متزايد

ومع توقف القتال في غزة ولبنان، وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه تحت ضغط متزايد من شركائه في الحكومة اليمينية المتطرفة لتوسيع العمليات العسكرية في الضفة الغربية. وقد انعكس ذلك على زيادة الغارات الإسرائيلية وارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين، الذين تجاوز عددهم 800 منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، بينهم مدنيون وأطفال ونساء، إضافةً إلى استهداف المستوطنين للمناطق الفلسطينية بهجمات متكررة دون رادع.

استغلال الظروف

وفي ظل هذا التصعيد، تستغل إسرائيل الأوضاع لتأخير إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، رغم اتفاقيات التبادل، مشترطةً ضمانات إضافية من حماس.

ويبدو أن هذه المماطلة ليست سوى جزء من سياسة الضغط والابتزاز التي تنتهجها إسرائيل لتعزيز مكاسبها السياسية والعسكرية.



إسرائيل تنفذ مشروعها الاستيطاني التوسعي طويل الأمد عبر عدة سياسات وأدوات:

1. تكثيف الاستيطان وتوسيع المستوطنات

بناء مستوطنات جديدة وتوسيع القائم منها في الضفة الغربية، وخاصة في المناطق المصنفة (C) التي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة. إصدار تصاريح لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية رغم رفض المجتمع الدولي.

منح المستوطنين تسهيلات حكومية ودعمًا ماليًا لتشجيعهم على الإقامة في الضفة الغربية.

2. تهجير الفلسطينيين وتهويد المناطق

هدم منازل الفلسطينيين بحجج عدم الترخيص، رغم أن إسرائيل ترفض منح التراخيص أصلًا.

تهجير سكان الأحياء والمناطق الحيوية، مثل حي الشيخ جراح وسلوان في القدس الشرقية.

محاولات فرض واقع جديد في المسجد الأقصى عبر الاقتحامات المستمرة والسماح للمستوطنين بالصلاة فيه.

3. السيطرة على الموارد الحيوية

الاستيلاء على الأراضي الزراعية الفلسطينية وتحويلها إلى مستوطنات أو مناطق عسكرية.

السيطرة على مصادر المياه في الضفة الغربية، مثل منطقة الأغوار، وحرمان الفلسطينيين من حصصهم المائية.

تقييد وصول الفلسطينيين إلى مناطقهم الاقتصادية، ما يؤدي إلى تدمير سبل عيشهم ودفعهم إلى الهجرة القسرية.

4. فرض واقع جغرافي يمنع إقامة دولة فلسطينية

فصل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها البعض عبر المستوطنات والجدران العازلة.

إنشاء طرق التفافية مخصصة للمستوطنين فقط، مما يعزز عزل الفلسطينيين وتقويض تواصلهم الجغرافي.

تكريس نظام «البانتوستانات» عبر تحويل المدن الفلسطينية إلى جيوب محاصرة وسط مستوطنات وجيش الاحتلال.

5. تصعيد القمع العسكري لفرض السيطرة

اقتحام المدن والمخيمات الفلسطينية بشكل متكرر واعتقال وقتل الشباب الفلسطيني.

استهداف قيادات ونشطاء فلسطينيين لإضعاف المقاومة السياسية والمسلحة.

فرض حصار أمني واقتصادي على مناطق معينة، مثل جنين ونابلس، لمنع أي شكل من أشكال المقاومة.