قبل عقود من الزمن، كان الحصول على المعلومات يتطلب جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلًا. فالوسائل المتاحة آنذاك تقتصر على البحث في الكتب الورقية أو حضور المحاضرات أو قراءة المناهج الدراسية، مما جعل الوصول إلى المعرفة عملية محدودة تتطلب صبرًا ومثابرة. لكن اليوم، قد اختلفت الأمور تمامًا. بضغطة زر، يمكنك الوصول إلى آلاف المصادر حول موضوع معين. هذه القدرة على الوصول الفوري للمعلومات تعكس الثورة التكنولوجية التي غيرت جذريًا طريقة تعلمنا وبحثنا. ومع هذا التحول الجذري في كيفية الوصول إلى المعلومات، يبرز يوم 24 يناير كفرصة للاحتفاء بالتقدم الذي حققته التكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم.

في هذا اليوم، يُحتفى باليوم الدولي للتعليم الذي أقرّته اليونسكو بهدف تعزيز دور المؤسسات التعليمية في تطوير إستراتيجيات شاملة ومبتكرة تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا. شعار هذا العام، الذي أطلقته الأمم المتحدة، هو: «الذكاء الاصطناعي والتعليم: صون فاعلية الإرادة البشرية في عالم آلي». يهدف هذا الاحتفال إلى تسليط الضوء على دور التعليم في تمكين الأفراد والمجتمعات من فهم التحولات التقنية المتسارعة، والتفاعل معها بوعي، والمساهمة بشكل إيجابي في توجيه هذا التقدم نحو مستقبل مستدام.

فمع التطور التكنولوجي المتسارع وظهور الذكاء الاصطناعي، أصبح التعليم أكثر تنوعًا ومرونة. فالطلاب اليوم قادرون على الوصول إلى مصادر غير محدودة من المعرفة، واستخدام أدوات متطورة لتخصيص تجربتهم التعليمية بما يتناسب مع احتياجاتهم الشخصية. فأصبح للطالب فرصة أن يكون لديه «مدرسه الخاص»، الذي يساعده في شرح الدروس التي تصعب عليه في أي وقت ومن أي مكان. توفر هذه الأدوات مساعدة إضافية لتحسين نقاط ضعف الطلاب، مما يسهم في تقديم تجربة تعليمية مستمرة ودائمة.


ورغم المزايا الكبيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك تحديات ومخاطر يجب الانتباه إليها كتعطيل قدرة الطلاب على التفكير النقدي وحل المشكلات بشكل مستقل. فعندما يستخدم الطالب أدوات مثل «شات جي بي تي» لحل أسئلة معقدة أو كتابة مقالات، فإنه يعتمد على إجابات جاهزة دون التدقيق في المعلومات أو تطوير مهارات التفكير النقدي الخاصة به. مع مرور الوقت، قد يصبحون معتمدين بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي، هذه العملية تؤدي إلى تقليل قدرتهم على التفكير المستقل واتخاذ قراراتهم بأنفسهم. إذا لم يتم استخدام هذه الأدوات بشكل متوازن، قد يتعرض الطلاب لخطر فقدان قدرتهم على تحليل المعلومات بعمق واكتساب المعرفة بشكل نقدي.

لذا من الضروري على المؤسسات التعليمية أن تدرك الدور الحيوي للذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز التعليم عبر جميع مراحله. فعليها العمل على تبني إستراتيجيات تضمن الاستخدام المتوازن لهذه الوسائل المساعدة. ومن هنا، تبرز المملكة العربية السعودية كداعم رئيسي لدمج هذه الأدوات التكنولوجية في منظومتها التعليمية. فقد أطلق المركز الوطني للتعليم الإلكتروني إطارًا شاملًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم الرقمي، يهدف إلى وضع المبادئ التوجيهية والمعايير التي تدعم استخدام هذه التقنيات في كل مراحل التعليم، بدءًا من التعليم العام وصولًا إلى التعليم العالي، المهني، والتعلم المستمر. هذا الإطار يعزز التعليم الرقمي، ويحفز على الابتكار، مما يعكس إيمان المملكة الراسخ بقدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق التقدم في جميع المجالات، بما في ذلك التعليم.

إذًا، يأتي اليوم الدولي للتعليم لعام 2025 ليعزز أهمية استخدام الأدوات المساعدة مثل الذكاء الاصطناعي في تطوير مهارات الطلاب والمعلمين. ولكن يتعين على المؤسسات التعليمية تبني إستراتيجيات تضمن الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا من خلال تدريب الطلاب والمعلمين على حد سواء على السلوكيات المثالية في استخدام هذه الأدوات. كما يجب تضمين مناهج دراسية متخصصة تركز على كيفية التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل يعزز الفهم والتحليل العميق، بدلًا من الاعتماد على الحلول الجاهزة. إن تبني هذه الخطوات يسهم في تحقيق تعليم مستدام وفعّال، ويضمن أن التكنولوجيا ستظل أداة تدعم تعلم الطلاب دون أن تحل محل قدراتهم الذهنية والإبداعية.