الملاحظة الأخرى، والأهم، هي نقاشه حول فلسفة الأحكام الشرعية المذكورة في القرآن والسنة. عندما نقل له المقدم أسئلة الشباب عن الأحكام الصارمة الموجودة في الدين (مثل قطع يد السارق/وحد الرجم)، ذكر بأن هذه الأحكام للردع أكثر منها للتطبيق. بمعنى أن غاية وجود هذه الأحكام زرع الرهبة في نفوس المؤمنين حتى لا يُقدِموا على الرذائل، ولكي تكون رادعًا قويًا لهم وضابطًا لأخلاقهم. بينما قضية التطبيق ليست الهدف الأساسي من وجود هذه الأحكام. يذكر أنه لم يحصل تطبيق هذه الأحكام على مر التاريخ الإسلامي إلا نادرًا. وأضاف أن تطبيق هذه الأحكام صعب بسبب وجود العديد من الموانع التي تعطل التنفيذ، بل إن تنفيذ الحكم في أغلب الحالات، إن لم يكن جميعها، أمر في غاية الصعوبة. وذلك لأن هناك شروط وموانع تدفع تنفيذ الحكم على المذنب دائمًا، وبعضها يستحيل توفره. لذلك يرى أن الحدود تُشرَّع للردع أكثر من التطبيق.
الطريف أن هؤلاء الصحويين، أنفسهم، قبل سنوات، هاجموا المفكرين الذين طرحوا الفكرة ذاتها في تحليل فلسفة الحدود الشرعية. وبعضهم كفر كل من يطرح هذه الفكرة، وشككوا في إيمانه. والآن مع تغير نمط التفكير عند الشباب وارتفاع الوعي بدأوا في سرقة هذه الأفكار العلمية من المفكرين والفلاسفة الذين طرحوها سابقًا من أجل أن يحافظوا على هدفهم الرئيس، والفئة المستهدفة في الخطاب وهم «الشباب». إذ إن الصحوة تعتمد في خطابها على الغوغاء وصناعة الحشود، دون الحشود تفقد وجودها وأهميتها، كما أشار عبدالله الغذامي. هذا التلون والتشكل للصحوة من حين لآخر يُعد إحدى السمات التي يجب أن يعيها المجتمع حتى يحمي أبناءه من الخطاب الملوث في فهم الدين.
وهنا سأنبهكم إلى أن الصحوة الجديدة «فلسفية» بامتياز. بمعنى أن خطاب الصحوة الجديد يبني أفكاره على حجج منطقية ثم يقدمها للناس. على عكس الخطاب السابق، الذي اعتمد على الخطابة والعاطفة أكثر من المنطق والعقل.
الكثير من الصحويين حاليًا يدرس الفلسفة بعمق لأنها أنقذتهم بشكل كبير أمام الملحدين والمشككين، وجعلتهم يثبتون إيمانهم بمنطق سليم. وكما هي عادتهم، لا ينصفون العلم الذي لا يخدم مصالحهم، فتجدهم لا يدعمون وجود الفلسفة كعلم ضروري لتطوير الوعي، وتعزيز التفكير المنطقي في الدين، وتنمية فكر الشباب على منهج فكري سليم. لأن وجود الفلسفة خطر على خطاباتهم الملوثة؛ إذ تدعم الفلسفة التفكير الذاتي، وتُطور الوعي لكشف المغالطات الفكرية التي تشوه المنطق السليم. يريدون دائمًا أن يكونوا هم المرجع الوحيد للدين حتى يتمكنوا من صناعة أكبر قدر من الحشود لتحقيق أهدافهم السياسية والاجتماعية المزعومة، ولهذا يعتبرون الفلسفة خطرًا يهدد مشروعهم بأكمله.