نصادف هذا النوع من البخل في الأوساط العلمية الأكاديمية والمهنية، كأن يمتنع الأستاذ عن منح طلابه المعلومات الكافية حول الموضوع المُدَرَّس، والاكتفاء برؤوس الأقلام فقط، أو أن يتحفظ مسؤول بصدد الإحالة على التقاعد عن إعطاء زميله الذي يخلفه في العمل تفاصيل أكثر حول طبيعة منصبه الجديد، أو أن يُشاركه خبراته في المجال ذاته حتى لا يُقال أن الوافد الجديد أحسن من سابقه.
كما يبرز البخل في المجال الطبي، فقد يرفض طبيب ما مشاركة زملائه معلومات وحلول إكتشفها حول مرض معين أو دواء معين. وغالبًا ما تكون أسباب هذا النوع من البخل نفسية أنانية بحتة؛ حيث يتصور مالك المعلومة أنه باحتكاره لها لا يمكن أن يحرز الشخص الطالب لها تقدما في أي مجال، كما يعتقد أنه إن شارك معلوماته ونصائحه مع غيره فإن هذا الأخير سيحقق نجاحات و سيصبح أفضل منه.
لكن وعلى النقيض كثيرا ما يدفعنا فضولنا العلمي نحن طلبة الجامعات إلى مطالعة الدراسات العلمية والأبحاث المحكمة سواء التابعة للكلية أو التابعة لهيئات علمية خارج الكلية، ولا شك أننا دائما ما نلقي نظرة خاطفة على صفحتي الإهداء والشكر التي لا تخلو من الإشادة بالمشرف على العمل أو بالهيئة التي أجريَت حولها الدِّراسةُ التطبيقيةُ، وكثيرا ما تتكرَّرُ على لسان الباحث عبارة " أتقدم بجزيل الشكر والعرفان للدكتور المشرف على العمل الذي لم يبخل علينا بتسديداته وتصويباته الرشيدة". هذا المثال يوضح لنا جليا مدى التعاون والانسجام بين الباحث كطالب للعلم وبين مشرفه كمصدر للعلم والمعرفة، ومدى سخاء وكرم الأساتذة الباحثين العلمي والمعرفي ، فالكثير منهم لا يتوانى عن تقديم يد المساعدة والنصح والارشاد لطلبته ،ويرافقهم في مشاريعهم البحثية إلى غاية إتمامها على أكمل وجه.
نشر العلم والمعرفة رسالة عظيمة، لا يتحلى بها إلا من كان مدركا في نفسه أنه خليفة لرسل الله على الأرض، فالتعليم ونشره رسالة الأنبياء، لذا حقَّ لكل من حيزت له هذه الرسالة الشريفة أن يفتخر بهذا التشريف، وأن يستشعر مسؤولية عدم نشره وتبليغه للناس، ذلك أن عواقب كتم العلم وخيمة، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "من كتم علمًا ألجَّمه الله يوم القيامة بلجام من نار".