خلال الرحلات التجريبية لقطار الرياض، كنتُ من بين أولئك الذين تكاد أعينهم تفيض تساؤلات عند رؤية مشروع القطار الضخم بكل تفاصيله المبهرة: أشكاله الهندسية الرائعة، محطاته المنتشرة في أنحاء المدينة، ومساراته ومنحنياته المذهلة، وقاطراته التي تنساب عبر الأنفاق وتعلو فوق الجسور، بينما كنا نواجه زحمة السير وسط ضجيج الأبواق، و ردود الفعل هذه تنم عن طبيعة بشرية متجذرة في نفوسنا، حيث نرغب دائمًا في أن تسير الأمور بسرعة فائقة، دون أن نأخذ في الأعتبار طبيعة المشروع و تفاصيليه الدقيقة .

فمنذ عام 2013، بدأت مراحل التخطيط ووضع الاستراتيجيات، تلتها الأعمال الميدانية التي كانت بالتأكيد شاقة ومرهقة لبعض سكان الرياض، خاصة أولئك الذين يقيمون على خط سير القطار، بسبب إغلاق بعض الطرق وفتح أخرى بديلة، فضلاً عن تضييق بعض المسارات ورغم التحديات التي واجهها الجميع، كانت الغاية أسمى وأكثر قيمة.

لكن اليوم، يعيش سكان الرياض حالة من الفرح والبهجة، بعد أن أسدل الستار على أضخم مشروع نقل حضري دام نحو عقد من الزمن، محققًا تحولًا كبيرًا في حياة مدينة الرياض وسكانها.


وانا على يقين أنه سيكون لمشروع القطار أثر كبير في العديد من الجوانب، وليس فقط في تقليل الزحام المروري واختصار الوقت، بل أيضًا في تعزيز التنقل المستدام ، فمن المحتمل أن يعتمد البعض بشكل شبه كامل على القطار بدلاً من مركباتهم الشخصية، مما يسهم في تقليل عدد السيارات على الطرق، ويحد من الانبعاثات البيئية الضارة.

علاوة على ذلك فإن هذا التحول في نمط الحياة بشكل عام يساهم في تعزيز ممارسة رياضة المشي، حيث يصبح الأفراد مضطرين للمشي لمسافات معينة يوميًا للوصول من وإلى محطات القطار و بلا ريب إن هذا النشاط البدني يعود بالنفع على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، من خلال تقليل التوتر وتحسين المزاج، ما يتماشى مع التوصيات المستمرة من المنظمات الصحية العالمية التي تحث على أهمية الحركة لصحة الإنسان العامة.

إضافة إلى ذلك، سيسهم قطار الرياض في دعم السياحة المستدامة في العاصمة، حيث يوفر وسيلة نقل سهلة وفعالة للسياح المحليين والدوليين للتنقل بين المعالم السياحية والأماكن الثقافية، مما يعزز من تجربة الزوار. كما أنه يساهم في تقليل الضغط على وسائل النقل التقليدية الأخرى، ويوفر بيئة حضرية أكثر تنظيمًا وراحة للزوار والمقيمين على حد سواء. خصوصًا أننا على موعد مع عدة مناسبات رياضية وثقافية وصناعية هامة في المستقبل القريب، مثل كأس آسيا 2027، وكأس العالم 2034، وإكسبو 2030، ما يجعل من القطار عنصرًا أساسيًا في تسهيل التنقلات وتحقيق تجربة متكاملة للمشاركين والزوار.

يمثل قطار الرياض خطوة جوهرية نحو تحقيق أهداف رؤية 2030، حيث يجمع بين التطور الحضري والاستدامة البيئية، ليحدث نقلة نوعية في جودة حياة سكان العاصمة و إطلاق القطار يعكس طموح الرياض للتحول إلى مدينة عالمية عصرية، تواكب التطورات وتقدم حلولاً ذكية للتحديات الحضرية. و يبقى الأثر الأعمق متمثلًا في التغيير الثقافي والاجتماعي، من خلال تشجيع الأفراد على تبني أنماط حياة صحية أكثر استدامة.