فأين فطرة الإنسان من كلّ هذا؟!
ما الذي جعل الكثيرين يفقدون كينونتهم وطبيعتهم البشرية ليتحوّلوا إلى كائنات لا ترقى إلى مستوى الوحوش؟ لأن الوحوش لا ترتكب الفظائع؛ فهي تقتل لتأكل، ولتُطعم أبناءها. فيما نجد البشر يقتلون بعضهم بعضًا بلا رحمة ولا شفقة.
ليت هؤلاء يتعظون ويعودون إلى البقية الباقية من إنسانيتهم، ليرحموا الآخرين ويتمثّلوا برحمة خالق هذا الكون، التي وسعت كل شيء.
لست أدري حجم الجشع الذي حكم سلوك الإنسان، وكيف سيطر على إنسانيتنا حتى تخطى جميع السلوكيات الهمجية والبربرية القديمة بوحشيتها وتخلفها. ففي سبيل الصعود على سلالم العيش والرُقيّ والرفاهية والبذخ، أصبح الإنسان عدوًا لأخيه؛ عميت بصيرته وفسدت بصيرته. لا أعلم سوى أنه في بقع كثيرة من هذا العالم الذي حكمه الخراب، سُفكت العديد من قطرات الدم الحمراء من أجل بضع قطرات سوداء، بلون العنصرية المزعومة التي يندد بها الكثيرون ممن هم أنفسهم أدوات للّاإنسانية.
إن ازدهار الإنسانية وتقدمها يتجلى في الحفاظ على أرواح البشر من الموت والدمار
يكمن ذلك في صون كرامتهم وضمان حريتهم، والحرص على تأمين العيش لجميع أفرادها بسلام وتسامح وأمان. فلنسقِ إذن وردة إنسانيتنا، ولنزرع بذورها في أجسام أطفالنا الخصبة. لنعلمهم أن قيمة الإنسان تكمن في مدى احترامه للغير. لعلنا نقترب من الإنسانية من جديد، فشوك الوردة لا يؤذي الوردة لكي تنمو.
فكيف للإنسان أن يؤذي إنسانًا آخر من أجل تقدم حضارته؟ متى ابتعد الإنسان عن إنسانيته؟
وفي شريعتنا الغرّاء تتأكد الإنسانية:
قال ابن القيم رحمه الله: "الدين الخلُق، فمن زاد عنك في الخلق زاد عنك في الدين، ومن نقص عنك في الخلق نقص عنك في الدين." وإن حسن الخلق سبب للفوز بحب الله. قال النبي ﷺ: "ما أحب عباد الله إلى الله؟ قال: أحسنهم خلقًا." وقال ﷺ: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلق حسن."
وما أحكمَ قول شوقي:
"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا."