في الماضي، كانت المناسبات الاجتماعية والولائم تعكس قيمًا عميقة ومعاني أصيلة في المجتمع. لمتكن الوليمة تقام إلا لسبب وجيه، سواء كان ذلك احتفالاً بحدث سعيد، مثل الزواج أو قدوم مولود، أوتأدية واجب اجتماعي ، أو إكرام ضيف أو استقبال أحد الأقارب. وكانت تقام هذه المناسبات في إطار من البساطة والاحترام، بعيدًا عن المبالغات والتفاخر. كان كل شيء يتم في حدود المعقول والمنطق، ما يعكس روح التكافل والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، بعيدا عن الاسراف والتبذير.

لكن اليوم، يبدو أن هذه المعاني تراجعت إلى حد كبير. فالمناسبات والولائم أصبحت تقام دون سبب حقيقي أو دافع واضح، وأحيانًا لمجرد ملء الفراغ أو اللحاق بركب الآخرين في إظهار البذخ والتفاخر ،البعض ربما استلف قيمة التكاليف. لقد باتت هذه المناسبات متكررة لدرجة أنها فقدت قيمتها وهدفهاالأصلي. وما يثير الدهشة والتساؤل هو ظاهرة تكرار الوجوه نفسها في جميع هذه المناسبات، وكأنهم يطوفون من وليمة إلى أخرى بلا هدف، سوى الحضور والمشاركة في مظاهر البذخ غير المبرر.

هذه الظاهرة لم تعد تخفى على أحد، حتى أن الناس أصبحوا يطلقون على هؤلاء المدعوين مصطلح"قروبات حفظ النعمة". في إشارة ساخرة إلى تكرار حضورهم في مختلف المناسبات وكأنهم جزء لا يتجزأمنها.


هؤلاء الأشخاص، الذين يتنقلون من وليمة إلى أخرى، لم يعودوا يهتمون بالمناسبة نفسها أوهدفها، بل يبدو أن همهم الوحيد هو الظهور في كل مكان، حتى لو كانت المناسبة بلا معنى حقيقي.

تجسد هذه الظاهرة تحولاً في مفهوم المناسبات الاجتماعية في مجتمعنا. فما كان في السابق تعبيرًا عن قيم وأخلاق، أصبح اليوم مجرد فرصة للظهور والتفاخر، والأكيد انه لو اعتذر أو امتنع كل من حضرالمناسبة عن التصوير لذاب هؤلاء الكرماء ذوبان الملح .

لذا يجب علينا أن نتأمل في هذه الظاهرة ونسعى لاستعادة المعاني الأصيلة التي كانت تميز مناسباتناالاجتماعية، بعيدًا عن مظاهر الإسراف والتكرار غير المبرر.

إن العودة إلى القيم الاجتماعية النبيلة هي السبيل الوحيد لإعادة التوازن للمناسبات والولائم، وجعلها تعبيرًا صادقًا عن الفرح والتكافل بين أفراد المجتمع، بدلاً من أن تكون مجرد استعراضات فارغة.