المجتمع السعودي يتميز بطابعه الاجتماعي القوي، وهذه الصفة ليست مجرد وصف عام، بل هي حقيقة تعكس عمق العلاقات الإنسانية والترابط الأسري والمجتمعي الذي يميزنا. فنحن قريبون لبعضنا البعض في السراء والضراء. وهذا القرب يجعل الكثير من القيود والحدود تتلاشى بيننا. وما يجعل المجتمع السعودي مميزًا على الصعيد الاجتماعي بكل تأكيد العائلة لأنها هي الأساس، وبطبيعة الحال الضيافة والكرم، تشتهر المجتمعات العربية بشكل عام، والسعودية على وجه الخصوص، بكرم الضيافة وحسن الاستقبال للضيوف مهما كانت الظروف الاقتصادية. وكذلك التعاضد والتكاتف، وهذا يتضح جليا في التعاون بين أفراد المجتمع في مختلف المناسبات والأزمات. وكل هذه جذورها ممتدة بسبب التقاليد والعادات التي تحافظ المجتمعات السعودية عليها مما يعزز الهوية الوطنية والشعور بالانتماء بشكل عام.

هذه التفاصيل تجعلنا أكثر قربا كذلك في موضوع الضحك والسخرية من بعضنا البعض، حيث توظف هذه السخرية في مسارات جيدة كوننا قريبون من بعض، ولكنها قد تذهب وبسبب (الميانة) والقرب أيضا لاتجاهات غير محبذة. فالتواصل المكثف والقرب المعنوي والجسدي يجعلنا لا شعوريا نصل لمرحلة وكأننا نجلس مع أنفسنا فلا مكان للمجاملات الاجتماعية كون العلاقة غير رسمية ولا مكان للحدود والخصوصية، فبالإمكان أن نتشارك في سفر ومناسبات مختلفة لا تشاركها مع باقي الناس.

لكن ومع الأسف أن هذه الميانة تكشف عن وجهها البشع في بعض الأحيان، وتصبح بوابة بلا أبواب ولا أقفال ومصدرا للتنمر والسخرية، ونذهب لا شعوريا للتقليل من الأشخاص ومن ممتلكاتهم ومن كلامهم وملابسهم وأفكارهم ومواهبهم، فكل من يكون في دائرة معارفنا القريبة الذين (نمون عليهم) يكون وجبة دسمة للتقليل منهم ومن احترامهم تحت ذريعة الميانة. وإذا كانت هناك أي ردة فعل ممن سخروا منه بالدفاع عن نفسه ينقلب الموقف ضده بسؤال قبيح (وش فيك زعول) (ما تتحمل المزح قلبنا علاقتنا معك رسمية)! فالخيار هنا إما أن تقبل بأن نسحق مشاعرك واختياراتك وأفكارك، أو ستكون علاقتك معنا رسمية ويصبح مذنبا في مشهد هو من كان ضحيته.


وجود أصدقاء وأقارب لنا بهذه المساحة من الراحة والقرب النفسي والمعنوي مهم في حياة الجميع، لكن يجب ألا يكون على حساب الاحترام وتقدير الذات، أما الآخرون فالميانة لا تتعارض مطلقا مع الاحترام ما لم تكن ميانة نتنة!