ويبدو للمتأمل أن سبب هذه الظاهرة مركب من قضيتين: الأولى هي هوس الإعجابات عند كثير من صناع المحتوى، والذي أصبح للأسف المعيار الرئيسي لقيمة المحتوى، والقضية الأخرى هي ذائقة الجمهور وعدم وعيهم بأهمية هذا المعيار الذي يمتلكونه.
فيجد صانع المحتوى أن محتواه القيّم، الذي بذل جهدًا كبيرًا فيه -بطبيعة الحال- لا يلقى إعجابًا بقدر ما تحصل عليه بعض المحتويات غير الهادفة، والتي قد تكون سخيفة أو موضوعات قيمتها في إثارتها للخلافات فقط، فإذا وقع في فخ البحث عن الإعجابات، فسيجد نفسه ينجرف نحو المواضيع الخلافية، وقد تكون الشاذة، والتي لا تثري الأذهان ولا تحركها.
وعليه، يجب على صانع المحتوى، مهما كان محتواه بسيطًا، حتى لو كان منشورًا أو تغريدة من بضعة جمل أو مقطع فيديو، ألا يعتبر أن معيار القيمة هو عدد الإعجابات، فما يُنشر اليوم في فضاء الإنترنت قد يدوم ويبقى للأبد، إن كان خيرًا أو شرًا، وتقييمه وتأثيره قد يأتي ولو متأخرًا، كذلك، يجب على الجمهور أن يعوا بأن الإعجاب الذي يبديه الفرد على أي محتوى هو مسؤولية يشارك بها في تغيير مستوى الثقافة العامة، سواء للأفضل أو للأسوأ.
وإن تجاهلك للموضوعات غير المفيدة والموضوعات الخلافية يقلص من تكاثرها ويقلل من صناعها، والعكس صحيح، وهناك دراسات علمية كثيرة بحثت هذه القضية خصوصًا ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل منتظم تجاوز الأربعة مليارات إنسان، وهذا رقم مهول لمن يدرك معناه وعواقبه، هذه الدراسات ناقشت تأثير التواصل الاجتماعي في نفسيات المستخدمين وبخصوص هوس الإعجابات (like)، وربطت بعض الدراسات تأثير التفاعل مع المنشور وإطلاق الدوبامين في دماغ مدمن وسائل التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن الحلول المطروحة حول التعامل مع هذه الحالة ليست كثيرة، إنما أهمها هو أن تغير وسائل التواصل الاجتماعي سياساتها وخوارزمياتها، بحيث تدفع المجتمع نحو المحتويات الأكثر قيمة ونحو نفسيات أكثر استقرارًا، وهذا أمر قد لا يحدث لأنه لا يصب في مصلحة شركات التواصل الاجتماعي.
والحل الآخر هو تثقيف المجتمع، بحيث لا ينجرف هبوطًا نحو تشجيع المحتويات السخيفة، وأن يكون الفرد واعيًا بقيمة الإعجاب الذي يمنحه. وفي المقابل يجب أن يكون صانع المحتوى متحررًا من هوس الإعجابات وأن يركز على الكيف أكثر من الكم، فرفع وعي آحاد أو عشرات الأشخاص أهم بكثير من إضحاك آلاف الأشخاص أو إسماعهم ما يريدون سماعه ودغدغة عواطفهم فقط لحصد الإعجابات.