اكتسحت الألوان والأزياء المتنوعة أسواق العبايات السعودية على نحو ملحوظ وكبير، بما بات يهدد بأفول نجم الخمار الأسود - الحجاب والعباءة السوداء - على الرغم من أن لهذا الأخير مكانته شديدة الأهمية لدى السعوديات.

وكان الجدل حول لباس المرأة وعباءتها قد تجدد جيلاً بعد جيل، وكان لكل جيل رؤيته الخاصة، ولعل التغيير فيه كان يتبع دوما ولـ«العرف»، ولـ«التقاليد» التي تركت أثرها في أزياء العباءات النسائية التي طالتها تحوّلات متلاحقة على مستوى التصميم تضاربت حولها الآراء والنظريات بين من يراها محافظة على «التقاليد والعرف»، ومن يراها تحوم حول التحديث والانفتاح، وبين من يرونها كذلك في موقع الحرية الشخصية التي قد تصل بالأمر حد خلعها واستبدالها بالملابس المحتشمة والحجاب.

ويرى كثيرون أن هذه التحولات تعد أمراً طبيعياً يعكس حركة المجتمع وتطوراته وقناعات أفراده.

خمار المليحة

قل للمليحة بالخمار الأسود

ماذا فعلت بناسك متعبد؟

لا عجب أن كانت أبيات الشاعر ربيعة بن عامر التميمى، الشهير بـ«مسكين الدَّارمي»، وهو أحد سادات قبيلة بني دارم التى كانت تتواجد فى العراق فى عهد الدولة الأموية قد أخذت مأخذها من قلوب النساء لتكون بمثابة أول إعلان تسويقي للعباءة العربية السوداء التي وضعت بصمتها لتكون رمزاً للأنوثة والحياء والجمال والحشمة في آن واحد.

ومع ذلك، وقعت العباءة في دائرة الجدل المستمر بعد أن طرأ عليها التغيير والتحول، فمن الرداء، إلى عباءة «الرأس»، ومنه إلى عباءة «الكتف»، ومن السوداء القاتمة إلى الملونة وحتى المزركشة بتطريزات مختلفة.

ولعل التغيير السريع في أحوال المرأة السعودية ودخولها معترك الحياة العملية وسوق العمل، رفع من وتيرة التغيرات في الأزياء السعودية، ومنها العباءات التي باتت تأتي اليوم بتصاميم مختلفة تتناسب مع كل مناسبة أو عمل.

صدى عميق

تركز هدير حبيب، وهي مصورة فوتوجرافية على أن العباءة السعودية السوداء حققت صدى عميقا في تاريخ المملكة وثقافتها، وقالت «على الرغم من وجود ملامح مشتركة في العالمين الإسلامي والعربي للعباءة التي نجدها في مصر، والشام، والعراق، وإيران، ودول الخليج؛ إلا أن للعباءة السعودية هيبتها الخاصة ومكانتها التي لا يرقى إليها شك».

في المقابل، تتساهل أختها أثير حبيب التي تعمل في المجال الصحي مع التغيرات الطارئة في وضع العباءات، وترى أن العباءة بشكل عام بالغة الأهمية للمرأة السعودية لكنها ليست ضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، ففي مجالات عمل مختلفة يمكن استبدالها بزي العمل الرسمي طالما أنه يخضع لمعايير الاحتشام والستر.

تأثير المشاهير

من جهتها، انتقدت هبة قاسم (سيدة أعمال) التغيير الذي يدفع المرأة السعودية إلى خلع العباءة مؤكدة أنه لا شيء يعادلها حتى لو كان لباسا فضفاضاً، وقالت إن «العباءة السعودية ليست موروثا فقط، بل هي هوية لا يمكن تغييرها لمجرد أن نواكب ما يعتقده البعض تطوراً وتحولا».

ونفت أن يكون للتطور أي علاقة باستبدال العباءة بملابس فضفاضة أو خلعها، بل لا يتعدى الأمر أن يكون مجرد قناعات داخلية على حد قولها.

وأكملت «للأسف نرى بعض الفتيات يتنافسن للظهور بأجمل أزياء الفساتين، بينما توجد تشكيلة رائعة من أزياء العبايات التي لا يلقين لها بالاً، وأظن ذلك يعود لتأثير تطبيقات التواصل الاجتماعي ومشهورات السناب شات والتيك توك على وجه الخصوص».

أزياء متنوعة

عن التنوع في أزياء العباءات ذكرت المصممة أبرار الداوود «هناك إقبال كبير على الأزياء الجديدة، والتصاميم التي باتت تنافس بشدة في سوق العباءات السعودية».

ولفتت إلى أن «الفئات العمرية تتفاوت حسب التصاميم المطروحة، حيث نعمل جاهدين في كل كولكشن (تشكيلة جديدة) على استقطاب فئات تناسبها تصميمات بعينها، فهناك تصاميم استقطب فيها فئة الفتيات ما بين 12 إلى 18 عاماً، بحيث تكون التصاميم فيها ابتكارات أو تداخلات معينة من الألوان والأقمشة التي تستهوي هذه الأعمار، أما بعض التصاميم فقد استهدفت فيها الموظفات بحيث تكون التصاميم عملية ورسمية، وقد تحتوي على فساتين داخلية، أو رداء داخلي تحت العباية حتى تكون عملية ومريحة ورسمية في نفس الوقت، وبعض التصاميم تستهدف الأعمار من 35 عاما فما فوق بحيث تكون سوداء ومريحة وأقمشتها خفيفة وهكذا».

واستدركت «الفئة العمرية تكون مقرونة بالتصميم بعض الأحيان».

تنافس الأسعار

عن اختلاف الأسعار ذكرت الداوود «الاختلاف يكون أولاً بسبب نوعية وجودة الأقمشة، فبعض الأقمشة تكون مرتفعة الأسعار، وبهذا يصبح سعر العباية مرتفعا، وإذا كانت تحتوي على تطريز أو شكّ أو بتداخلات قطع معينة فقد يرتفع سعرها لهذا السبب أيضاً، ثم هنالك وضع المصممات، فالمصممة التي تطرح عباءاتها في محل تجاري تختلف عمن تبيعها مباشرة بحسب الطلب أو في مواقع إلكترونية، حيث يحسب سعر الإيجار، وأجور الموظفين، وكل تكاليف المحل».

وأشارت إلى أنه «ليس بالضرورة أن يكون ارتفاع السعر أو انخفاضه دليلاً على جودة العباءة من عدمها، ولكن يبقى لجودة الأقمشة مركزها الأساسي بالتساوي مع جودة الخياطة لنجاح التصاميم، علماً أن شتى أنواع الأقمشة متوفرة في السوق سواء أكانت محلية الصنع أم مستوردة».

ترك العباءة

تصر الداوود على أن «معظم السعوديات ملتزمات بلبس العباءة، مع وجود قلة نادرة فكرن بخلعها أواستبدالها».

وتضيف «ما أراه هذه الأيام يؤكد أن العباءة ما تزال مطلوبة، بل وصارت مطلوبة أكثر حتى في السفر، حيث تردنا طلبات كثيرة للعباءات الملونة على وجه الخصوص حتى تتمكن الفتيات من ارتدائها في الأسفار، ومن وجهة نظري فإن العباءة الجميلة والراقية تضاهي الملبوسات الأجنبية والتصاميم الغربية في جمالها وأناقتها».

وأكدت أن «العباءة السعودية المعاصرة تمثل الآن الموضة الراقية والأناقة الفردية، ومع وجود خيار ارتداء العباءة أو لا، تواصل غالبية النساء السعوديات وحتى الوافدات إلى المملكة ارتداءها لأنها مؤشر على الهوية الثقافية والانتماء، ناهيك عن جماليتها».

آراء عالمية

لم يقتصر الاهتمام بالعباءة على السعوديات وحدهن، بل لفتت العباءة السعودية حتى أنظار كثير من المشاهير العالميين، ففي حديث إعلامي سابق لمصوّرة الأزياء، نيكول نجمة أبراهام، ذكرت أن «المعتقدات المتعلقة بالأزياء المحتشمة تختلف باختلاف الخلفية الثقافية للإنسان وتراثه، حيث ترتبط الألوان والأنماط بالمناطق والثقافات، فحين نذهب إلى غرب إفريقيا، على سبيل المثال، نجد النساء المحتشمات يرتدين الطبعات والألوان الجريئة، وهو أسلوب ارتداء النساء للأزياء المحتشمة في جميع أنحاء تلك المنطقة. لذا إذا ما ارتدت امرأة أزياءً سوداء بالكامل هناك، فإنها ستعدّ في هذه الحالة جريئة ومميزة أكثر من المرأة التي ترتدي الطبعات والألوان الإفريقية الزاهية».

بوتضيف «تبدو النساء العربيات في العباءات السوداء بالغات الجمال والأناقة، بفضل براعتهن في اختيار الحُلي التي تتناسب مع ما يرتدينه وأسلوب وضعهن للمكياج، وأحياناً أشكال تسريحاتهن».

ومثلها تعلق عارضة الأزياء وفيقة عظيم «يمكنني أن أريك عدداً من النساء الرائعات اللواتي تجعلهن العباءات السوداء ينفردن عن الجميع. وأنا لا أربط بين ارتداء الألوان الزاهية والبُعد عن الاحتشام، أو بين ارتداء الألوان الهادئة والاحتشام. وبوسعي أن أؤكد أنه بإمكانك ارتداء الأزياء زاهية الألوان دون أن تلفتي الأنظار – فالكثيرات منّا في أمريكا يتميزن عن الجميع حين يرتدين الألوان الهادئة».

من جانب آخر لقيت إطلالة جورجينا رودريجز زوجة اللاعب كريستانو رونالدو بالعباءة عند قدومها إلى المملكة كثيراً من الإعجاب، وكذا حال كثير من الوافدات إلى المملكة اللواتي لبسن العباءة في صورة تجسد احترامهن لقيم المملكة وثقافتها.

إثراءات

* العباءة، قطعة ملابس تغطي الجسم من الخارج، وترتديها النساء في الأماكن العامة

* تختلف أقمشة العباءات حسب الموسم، فهناك عباءات ربيعية وأخرى شتوية أوصيفية وهكذا

* ما قبل النفط كانت العباءة عبارة عن قطعة واحدة مربعة (رداء)، وعرفت من ترتديها أنها من علية القوم فكانت دليل ثراء

* في السبعينيات من القرن الماضي انتشرت عباءة الحرير الخفيفة التي تغطي الجسم من أعلى الرأس

* في الثمانينيات من القرن الماضي لقيت العباءة السوداء رواجاً، وهي عباءة مفصلة

* في التسعينيات، أدخلت التطريزات المختلفة على العباءة السوداء ودخلت عباءة الكتف السوق

* من عام 2000 تنوعت القصات والتصاميم المختلفة

* في السنوات الأخيرة تطورت العباءة لتتلاءم مع الأدوار الاجتماعية التي تقوم بها المرأة حاليًا